حين يثور الشلال: رسالة
إلى القلب الحائر!
لا تظنّ
أنَّ الشلالَ - ذلك المُتجدِّدُ بأعجوبةِ الخلق - لا يعرفُ الغضبَ!، إنَّ الماءَ الذي
يهبطُ مِن علوٍّ كأنه دعاءُ السماءِ للأرض، قد يتحوّلُ - حين يُلامسُ جشعَ الوحوش
- إلى طوفانٍ يبتلعُ السكينةَ!
تأمّلْ:
مفترسانِ يتصارعانِ عند حافّتِه، ويُحوِّلانِ بركةَ الحياةِ إلى ساحةِ انتقامٍ.. حيث
يُذَرِّي الغبارُ على وجهِ الماءِ، وتُخْنَقُ أنفاسُ النقاءِ بين أنيابِهِما.
الشلالُ
لا يصرخُ إلا حينَ نُصمّ آذاننا عن دروسِ التدفّقِ.. "توقّفوا عن الصراعِ عندَ
قدميّ فأنا أعرفُ كيفَ أحملُ الألمَ دونَ أن أفقدَ نقائي!"
لكنّ الحقيقةَ
التي تعلو كالجبال: الخالقُ وزّعَ الأرزاقَ بتوازنٍ، لكنَّ قلوبَ العاشقينَ هي القنواتُ
السرّيةُ التي تَجري فيها البركاتُ.. دعوةٌ صادقةٌ من أمٍّ، أو نظرةُ حبٍّ من صديقٍ،
أو همسةُ شكرٍ من معلمٍ.. تفتحُ أبوابًا لم تكنْ في حسابِ الرياحِ!
أتعلمُ
سرَّ الرزقِ الغامضِ؟ إنّهُ يكمن في بركة الأحبة، ويمرُّ عبرَ قلوبٍ أحببتنا دونَ أن
نَدري.. كلُّ دعوةٍ خلفَ بابٍ مغلقٍ هي مفتاحُ كنزٍ لم نرَهُ بعدُ!
أغمضْ
عينيكَ عن بحورِ الآخرينَ، ولا تُحصِ قطرات غيرك!، وافتحْ كفّيكَ لقطراتكَ الذهبيةِ..
فالحياةُ تُسكبُ في أيادينا بقدرِ ما نستطيعُ حملَهُ
لا بقدرِ
ما يتمنّاهُ قلبُنا الجائعُ!، ولا تُضِعْ عمرَكَ تُحصي قطراتِ غيرِك، ولا تَغرقْ في
صراعاتٍ تُعكّرُ صفوَ تدفُّقِك.
الحياةُ
- مثلَ الشلال - يُغنيكَ بجمالِ ما تُعطيهِ، لا بما يُسرقهُ الآخرونَ من ضفافِ نبعه!،
الشلالُ يهمسُ: "كنْ كالماءِ.. إنْ صافحتَ الصخرَ اهتززتَ لكنّكَ لا تنكسرُ، وإنْ
صادفتَ ظلمًا.. اجعلْ غضبَكَ زخاتِ مطرٍ، لا طوفانًا يمحو الجمالَ!".
لماذا
تبحثُ عن بساتينَ بعيدةٍ وحديقتكَ ممتلئةٌ بأشجارٍ لم تثمرْ بعدُ؟ أغلقْ عينيكَ عن
حصادِ الآخرينَ، واسقِ بذورَكَ.. فكلُّ فرصةٍ بينَ يديكَ هي شجرةٌ تختبئُ في بذرةٍ!
اخترْ
أن تكونَ كالنهرِ الذي يمرُّ بهدوءٍ ويُروي ظمأَ الأرضِ دونَ صخبٍ، ويَحملُ أسرارَ
السماءِ دونَ تشويشٍ، ويصلُ إلى المحيطِ.. كأنما الأمواجُ تُصفّقُ لوصوله!
ليسَ الجمالُ
في الصخبِ، بل في أن تتدفّقَ كالنهرِ الذي يُنحي الصخورَ بصمتٍ، ويصلُ إلى البحرِ وهوَ
يُسبّح بحمد الخالق!، لكن احذر.. فحتى الماء الهادئ قد يحفر الجبال لو صبر وقتاً كافياً!
الماء
الذي صار طوفانًا: كنتَ نبعًا صافيًا حتى علّمتكَ الحروبُ أنَّ الوداعةَ ليستْ ضعفًا..
بل اختيارٌ أن تظلَّ ماءً في عالمٍ يصرخُ: "اصبحْ نارًا!".
إذا أردتَ
أن تعيشَ: أَغمِضْ عينيكَ عن زبدِ الصراعاتِ، وافتحهُما على كنوزِك الخفيّةِ، ستجدُ
أنَّ السعادةَ - كقطرةِ الندى على زهرةٍ - تتجمّعُ من صغائرِ اللحظاتِ التي لا نُدركُ
قيمتَها.. حتى تصيرَ بحرًا يُغرقُ كلَّ حسدٍ!
وفي النهاية..
تذكّر أن الشلال حين يثور لا يغرق أحداً سوى الذين ظنوا أنهم يمتلكون ضفافه!
جهاد غريب
أبريل 2025