القصيدة التي لا تُقال!
ثمّة أفعالٌ لا تحتاج إلى تفسير، تمامًا كالقصيدة الصادقة التي لا تحتاج إلى مقدمة. القصيدة التي لا تُقال... ليست حروفًا تُكتب، بل خطواتٌ تُسجَّل على رمال الزمن، فلا تُمحى!
وحده الفعل يكشف النوايا، يترجم المشاعر، ويُعبّر عنك أكثر من ألف كلمة! إنها القصيدة الحيّة... تلك التي تُلقى على مسرح الواقع بلا حروف، لكنها تلامس القلب مباشرةً، وتبقى في الذاكرة أبدًا.
أما الكلمات، وإن كانت من ذهب، تظلّ هشّة ما لم تسندها إرادة تتّقد في الداخل! فالكلام وحده لا يُشعل شمعة، ولا يُرمم جدارًا مكسورًا، ولا يربّت على كتف الحياة المتعبة... الكلام قد يملأ الأسماع، لكن الفعل يملأ العيونَ بالدموعِ... أو بالبسمة!
يقولون: "إن للكلمات أجنحة"، لكنها لا تطير إلا بقلبٍ شجاع. وانظر إلى يدِ البستاني التي تُنبِت وردةً من تراب، بينما ظلّ الشاعر يصف العطرَ في قصيدته!
وكم من خطيبٍ مُفوّه ارتقى المنابر وتغنّى بالحكمة، بينما العالم من حوله يتهاوى؟ وكم من فكرةٍ نبيلة ماتت في مهدها لأن صاحبها اكتفى بترديدها، ولم يُغامر بتجسيدها؟ بقيت حبيسة الأدراج، تنتظر فعلًا لم يأتِ، وصوتًا لم يتجاسر على البوح.
وانظر إلى الفرشاة… تلك الساحرة الصامتة! لا تخطّ حروفًا، لكنها تخلعُ ثوب الصمت عن الروح. كلّ لونٍ فيها فعلٌ يُغني عن كلامٍ يذروه الهواء. أليست الحياةُ قصيدةً مرسومةً بضربات الفعل، لا بمداد الكلام؟ إنها تشقّ طريقها على جدران الواقع الباهت، وتمنح الحلم لونًا... والواقع شكلاً أكثر احتمالاً.
اكتب قصيدتك بالحركة لا بالحبر. دع خطواتك تُكمل المعنى، ودع أفعالك تصوغ بيت الشعر الأخير. فالكلام الأعظم ليس ما يُقال، بل ما يُعاش. ما يُكتَب بقدمين تمشيان نحو الضوء، ويدين تبنيان رغم التعب، وقلبٍ لا يُجيد سوى المحاولة.
لتكن قصيدتك إشارةً في ظلام، لا كلامًا يُردَّد في الظلام!
جهاد غريب
أبريل 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق