الثلاثاء، 29 أبريل 2025

ولادة تحت الركام!

 
ولادة تحت الركام!

عندما نواجه لحظة السقوط، تندفع الحياة بسرعة إلى التراجع، تلك اللحظات التي نتأرجح فيها بين صرخات الفشل وضباب الخسارة، والتي قد تكون نتيجة لقرارات ارتجالية، أو لحظة قهر قد تكون فُرضت علينا، لكنها تؤلم بقدر ما تشحذ روحنا؛ لحظة السقوط هي الفصل الذي لا بد منه في أي قصة، وهي الخطوة التي تتبعها المسافة، وكلما ابتعدنا عنها، أصبح بإمكاننا رؤية الصورة الأكبر بوضوح، فتتجلى أمامنا دروس قد لا تكون قد ظهرت من قبل.

في تلك اللحظة، قد نبدو وكأننا قد فقدنا كل شيء: الأحلام، والأمل، والاتجاه!؛ تتبدل الألوان في حياتنا إلى درجات قاتمة، وكأن السماء قد أغشي عليها، لكن هذا السقوط، رغم قسوته، يحمل في طياته بذرة لإعادة تقييم الذات، فكل لحظة فشل هي في ذاتها دعوة للنظر داخلنا، ولمراجعة قيمنا، وأولوياتنا، لا بل لاكتشاف قوة خفية كانت في ظلالنا، تنتظر اللحظة المناسبة لكي تظهر!؛ السقوط لا يُنزلنا فحسب، بل يُتيح لنا فرصة إعادة البناء، لأننا فقط عندما نكون في قاع الألم نكتشف من نحن حقًا.

ومع الوقت، تنبت ولادة الذات الحقيقية من بين أنقاض تلك اللحظات الصعبة!، ليست الولادة السهلة، بل هي معركة داخلية طويلة!، نبدأ في صياغة أنفسنا من جديد، نمزج الألم بالتحمل، الفشل بالأمل، وكل خطوة على الأرض تصبح فرصة لاستعادة القوة التي كانت تختبئ خلف الأقنعة، هذه الرحلة لا تخلو من التحديات، لكنها تكون مكافئة عند الوصول إلى القمة، فنحن لا نولد عظماء إلا بعد أن نمر بتجربة التكسير، وهو في جوهره الموجة التي تجعل من ينجو منها يتناغم مع ذاته الحقيقية.

أمثلة من حياة الناس قد تدل على هذه الحقيقة!، فكل شخصية عظيمة مرّت في حياتها بلحظات السقوط: فكر في من اجتازوا الحروب، أو من خسروا أعز ما يملكون، أو حتى في أولئك الذين فقدوا مساراتهم المهنية، فكل هؤلاء هم من اكتشفوا بعد السقوط قدرتهم على النهوض مرة أخرى؛ قد تبدو تلك اللحظات فارغة من الأمل، لكنها تثمر عن دروس عميقة حول صبر التحمل والتعلم من الأخطاء.

ولا تختلف أنواع السقوط: السقوط المادي قد يتجسد في خسارة مالية أو فقدان وظيفة، بينما السقوط العاطفي يحمل أوجاع الخذلان أو فقدان الحبيب، وهناك السقوط المعنوي الذي يرافقه الشعور بالضياع وابتعادنا عن قيمنا، أما السقوط المهني، فهو مثل أن تجد نفسك عائداً إلى نقطة البداية بعد سنوات من الجهد، لكن في النهاية، جميع هذه الأنواع تتقاطع في نقطة واحدة: لحظة تحول جوهرية.

ما يحدث بعدها هو أن ردود فعلنا تجاه السقوط تتنوع!، قد نتجاهل الواقع، أو نتراكم بالغضب، أو نغرق في الحزن!؛ قد نلوم أنفسنا أو نلقي اللوم على الظروف، لكن، في أقصى مراحل السقوط، يبدأ الوعي بالتحول!، ويصبح التقبل والتأمل سبلًا لتحقيق التحول الداخلي، ففي النهاية، السقوط ليس إلا بداية الطريق.

الدعم الخارجي له دور عميق في هذه المرحلة!، إن الأصدقاء، والعائلة، وحتى مرشدونا في الحياة، يمكن أن يسهموا في رفعنا!؛ التفاعل مع المجتمعات التي تشاركنا الألم يعزز قدرتنا على النهوض، ففي الانتماء إلى مجموعة، قد نجد العزاء والشجاعة التي نحتاجها للانطلاق من جديد، ومع ذلك، في النهاية، تتحقق القوة من داخلنا، من تعلمنا من مرونة المواقف، واستنباط القوة من نقاط ضعفنا.

قد يتساءل البعض عن معنى "السقوط المقدس" أو "الانهيار الإيجابي"!، في هذه اللحظات من الهدم، يكون هناك إعطاء المجال للبناء الأفضل، فالحياة تتطلب أحيانًا أن نتخلى عن ذواتنا الزائفة، لتتكشف لنا حقيقتنا بعد أن تخلينا عن الأقنعة التي صنعناها لحماية أنفسنا!، إن "السقوط" هنا ليس مجرد انهيار، بل هو تحول من حالة إلى حالة أعلى، حيث نتقبل ضعفنا كي نكتشف في النهاية قوتنا الحقيقية.

المرونة النفسية هي أحد مفاتيح تجاوز هذه اللحظات، فهي ليست مجرد قدرة على البقاء، بل هي القدرة على النهوض من جديد بعد الصدمات، وعلى النظر إلى التحديات كفرص للنمو، وعندما نعيد النظر في اللحظة الصعبة مع مرور الوقت، نرى كيف تغيرت رؤيتنا لها. كان الألم قد بدا لوهلة عائقًا، لكنه أصبح فيما بعد درسًا.

وفي ختام هذه التجربة، قد يتساءل البعض: هل السقوط هو النهاية؟ في الواقع، هو بداية، بداية جديدة لرحلة نحو الذات الحقيقية!، مثلما تحتاج الزهور إلى أن تُسحق لتتفتح، نحن أيضًا نحتاج إلى لحظات السقوط لكي نكتشف في النهاية من نحن. تعلمنا من أخطائنا، واكتشفنا قوة خفية داخلنا لم نكن لندركها لو لم نمر بتلك اللحظة. لن نكون أنفسنا حقًا إلا بعد أن نسقط، ولكن الأهم من ذلك هو أن نتعلم كيف ننهض. 

جهاد غريب
أبريل 2025

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عاشق في محراب الوحدة!

  عاشق في محراب الوحدة! أنا وحيدٌ... دائمًا وأبدًا... ها هي ذاكرتي تُطوِي نفسها كملحمةٍ مهجورة، تتنفَّس بين سطورها لوعةٌ لا تموت. ظلٌّ طويلٌ...