الخميس، 9 يناير 2025

 

بين الحب والخوف: تأملات في مواجهة الحياة!

 

في عتمة الليل، حيث تهدأ الأصوات!، وتصبح المسافات بين نبضات القلب أكثر وضوحاً، يتسلل الخوف إلى الروح كغريب يطرق الباب دون موعد.

 

هذا الخوف ليس عابراً، بل هو شعور دفين يتملك الإنسان حين يفكر في أحبائه، أولئك الذين يشغلون كل زاوية من الوجدان.

 

فكرة أن حادثاً أو طارئاً قد يُصيب أحدهم تشتعل كشرارة صغيرة، ثم تمتد لتلتهم سكينة العقل. قال سقراط: "الخوف هو الظل الأكبر لحبنا".

 

يُقال إن الحب هو أعمق المشاعر الإنسانية، لكن هذا العمق نفسه هو ما يفتح الباب للقلق. "الحب قوة لا يمكن تجاهلها، والخوف هو ضعف يرافقها" - جبران خليل جبران.

 

حين نحب، نصبح مسؤولين عن عالم آخر، وعن أرواح تتنفس بجوارنا، وعن قلوب تشبه قلوبنا! هذا الاتصال الوثيق يجعلنا نراهم في كل شيء، حتى في مخاوفنا.

 

صورة لطفل يركض بلا حذر، أو مكالمة لم تُجب، أو حتى صمت طويل غير معتاد، تتحول إلى سيناريوهات كاملة تعيش في خيالنا، وتحمل في طياتها احتمالات الفقدان، وكأن العقل الإنساني لا يستطيع أن يتوقف عن خلق هذه الصور.

 

في دقائق الانتظار الطويلة، تتسع التفاصيل: المستشفى، الضوء البارد، صوت الأجهزة، والوجوه التي تحمل على ملامحها سؤالاً بلا إجابة!، إنها لحظة تأرجح بين الحقيقة والخيال، بين ما نخشاه وما قد لا يحدث أبداً.

 

لكن، لماذا نفكر بهذا الشكل؟ هل هو ضعف أم نوع من الحماية؟ ربما يكون كلاهما، إنه ضعف أمام قوة الحب الذي يجعل فكرة الفقدان غير محتملة، لكنه أيضاً شكل من أشكال الحماية، كأن العقل يحاول أن يستعد للأسوأ، ليُخفف من وقع الصدمة إن جاءت.

 

هذا الصراع بين الخوف والرغبة في الطمأنينة يتركنا في حالة من التوتر المستمر. "الحب هو الأمل الذي يضيء عتمة القلق" - ويليام شكسبير.

 

ولعل الأدب والشعر هما أفضل مرآة لهذا الإحساس، ففي كل قصة تحكي عن فقد أو انتظار أو قلق، نجد انعكاساً لما نشعر به في أعماقنا.

 

يُحكى عن أم جلست في نافذة بيتها ليالٍ طويلة تنتظر عودة ابنها الذي ذهب إلى الحرب، وعن أب حمل هاتفه ليُعيد الاتصال بابنته التي تأخرت في طريقها للبيت!، هذا الانتظار، وهذه المسافة بين "ماذا لو" و"كل شيء بخير"، هي ما تصنع المأساة.

 

ومع ذلك، وسط هذه الظلمات، يظهر الضوء!، فنحن نحب رغم كل هذا، ونُغامر ونتمسك، لأن الحياة بلا حب ستكون خواءً لا طائل منه، والحل يكمن في أن نعيش اللحظة، وأن نستمتع بوجودهم اليوم دون أن نسمح لشبح الغد أن يسرق منا جمال الحاضر.

 

إنها رحلة إنسانية خالدة، بين الخوف والأمل، وبين الهشاشة والقوة!، رحلة تجعلنا نتذكر أننا بشر، نحمل في داخلنا تناقضاتنا، ونعيش بها، وربما من خلالها.

 

جهاد غريب

يناير 2025

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصيدة تمشي على الأرض!

  قصيدة تمشي على الأرض! ماذا لو كانت الحياة قصيدةً لا تُقرأ.. بل تُحيا؟! ليست كل الأبيات تُكتب بالحبر، ثمة أقدام تنسجها على رصيف الزمن، وخط...