السبت، 14 يونيو 2025

نداء ما قبل الانفصال: رسالة في عتمة الغفلة!

 
نداء ما قبل الانفصال: رسالة في عتمة الغفلة!

ليست هذه الكلمات محكمة إدانة ولا صك اتهام، بل هي مرآة هادئة، نضعها برفق أمام بعض النساء، علّها تعكس شيئًا من الضوء على ظلّ قد طال دون أن يُرى. لن أتحدث اليوم بقسوة، ولن ألوّح بأصابع العتاب، بل سأكتب كما تُكتب الرسائل القديمة التي توضع تحت وسادة القلب، تلك التي لا تُقرأ إلا حين يكون الليلُ طويلًا والحياة في منعطف.

في الحقيقة، ليست كل امرأة متزوجة تعرف طعم الخسارة. أقول "بعضهن"، لأني لا أؤمن بالعموم، لكنني أوقن أن هناك من يعبرن سنوات العمر جنبًا إلى جنب مع رجل، دون أن يتذوقن مرارة فقده حتى حين يكون الرحيل أقرب من النفس. والسبب؟ أنهن، في لحظةٍ ما، ينسين أن النعم ليست دائمة، وأن القرب ليس مضمونًا، وأن الحياة لا تفتح ذراعيها دومًا، بل أحيانًا ترفع أكمامها لتظهر قبضتها.

تسير المرأة سنوات مع زوجها، بين فرحٍ وعناء، بين نجاحٍ وتعثر، تراه ينمو، يتشكل، يتألم، يتغير. وربما تلتقي أرواحهما ذات صباحٍ عند نضجٍ مشترك، وربما لا. لكن الإشكال لا يكمن دومًا في اختلاف المفاهيم، بل في انطفاء الإدراك. كثيرٌ من النساء لا يدركن النعمة حين تحضر، ويحسبن أن الخسارة شيء خارجي، بعيد، يأتي فجأة، لا يتسلل بصمت عبر المساحات الفارغة في الحوار.

أن تتصوري أن الخسارة لا تقع، هذا بحد ذاته قصور في الفهم. حين يعيش الرجل مع زوجته سنوات طوال - عشرًا، عشرين، وربما أكثر - يهبها فيها من جهده وماله ووقته وعاطفته، لا بد أن يكون هناك شيء في الميزان، شيء من العرفان. ليس لأن الرجل هو الكفيل والممول، بل لأنه أيضًا الرفيق، والسند، والغطاء الذي احتمت به العائلة من عواصف الزمن. هل يُنسى ذلك لمجرد أن عطاءه خفَّ في مرحلة؟ أو لأنه سقط ذات مرة دون قصد؟

تبدأ المرأة بطلب المزيد، وهذا ليس عيبًا، لكنها حين لا تُجاب، تبدأ بقراءة الرواية من آخر صفحاتها. تنسى الفصول الأولى، تلك التي كُتبت بعرق الصبر، وتغفل عن أن للرجل ظروفًا لا تتشابه، بل تتبدل كما تتبدل الفصول. فإذا لم تغفر له زلّاته الصغيرة، إذا نظرت إليها على أنها عيوب جوهرية، فإنها تضع قدمها الأولى في طريق الخسارة، دون أن تدري.

تتراكم الأسئلة، وتتكثف الاتهامات، ويجد الرجل نفسه محاصرًا لا باللوم فقط، بل بالإحساس بعدم الفهم. وهنا، تبدأ الخسارة الحقيقية، لا في الطلاق، بل قبله بسنوات، حين ينفصل عاطفيًا عن شريكة عمره، فينسحب من قلبها رويدًا، ويترك على الطاولة بقايا حكاية لم تكتمل. وهذه هي الخسارة الأولى التي لا تُسجل في الدفاتر، لكنها تُحفر في الأرواح.

سأتجاوز هنا الحديث عن انعكاسات هذا الانسحاب على الأبناء والأسرة، ليس لأن الأمر لا يستحق، بل لأنني أود أن أضيء على المرأة وحدها، على لحظة غفلتها، على وقوفها في مفترق الطرق دون أن ترى اللافتة التي كانت تنذرها منذ البداية.

حين يغادر الرجل عاطفيًا، لا يأخذ معه فقط أسراره وأفكاره، بل يأخذ الحوار أيضًا. ينهار الجسر الممتد بين روحين، وتخفت الأصوات، ويحل الصمت محل الكلام! وفي ذلك الانهيار، خسارة فادحة لا تدركها المرأة إلا حين تعود ذات مساء ولا تجد سوى الظلال.

صحيح أن كثيرًا من الرجال يملكون طاقة صبر محدودة، وأنهم حين تتجاوز المشكلات خطوطهم الحمراء، يبدأون فعليًا في التفكير في الانفصال، ثم يمضون فيه بخطى هادئة. والطلاق، في النهاية، لا يكون سوى خاتمة لرسالة طويلة من الخسارات الصغيرة، التي لو قُرئت في حينها، لو فُهمت بإمعان، لما وصلت القصة إلى هذا المشهد الأخير.

وإن وصلت المرأة إلى خانة "المطلقات"، تبدأ تسأل: لماذا هانت العشرة؟ لماذا لم يتحملني؟ لماذا لم يستوعبني؟ لكنها - للأسف - تسأل بعد فوات الوقت، وبعد أن أخذتها العزّة بالرفض، وأغلقت نوافذ العقل، وفتحت أبواب الكبرياء.

وحين تهدأ العاصفة، ويعود صوت الذات في قلبها، تبدأ تتلمس الخسارة بأطراف أصابعها. لكنها، في الغالب، تصل إلى طريقٍ بلا عودة، حيث لا يمكن إعادة الأيام إلى سيرتها الأولى.

لذلك، وجب على المرأة أن تعيد تعريف الخسارة. أن لا تراها فقط في لحظة الفقد، بل في اللحظات التي سبقتها، في كل غفلة، وكل تجاهل، وكل سؤالٍ أُلقي دون أن يُنتظر جوابه.

الحياة الزوجية ليست سوقًا تُقطف فيه المكاسب فقط. هي طريق طويل، مليء بالمطبّات والتعثرات والانتظارات. هي نهرٌ، إن توقف جريانه، لن تعود له الحياة بزخات الندم المتأخر. الرجل، مثلها تمامًا، يحتاج من يلتقط تنهيدته، من يفهم صمته، من لا يزن الحب بميزان الهدايا والمكافآت فقط، بل بوزن المواقف وقت الضيق.

ومع نهاية كل حكاية تبدأ أخرى، وليس أقسى على النفس من أن تُدرك الحقيقة متأخرة، كمن يسقي زهرة ذابلة بعد فوات الأوان. لهذا، إن أرادت المرأة أن تصون دفء بيتها، وتحفظ نبض الحب في قلبه، فعليها أن تصغي إلى صمت التفاصيل، وتقرأ ما بين سطور الأيام، لا ما يُقال فقط. 

عليها أن تدرك أن الحوار ليس مجرد كلمات تُقال في الفراغ، بل هو جسر هش، يُبنى بكفتي الصبر والنية، ويُهدم حين يُهمل، لا حين يُكسر. لا تجعلي من كل عثرة على الطريق طبول حرب، فالرجل - وإن بدا قويًا - يتعب، يُخطئ، يضيع أحيانًا بين ضغوط الحياة، وينسى أن يُعبّر لا لأنه لا يشعر، بل لأنه خائف من ألا يُفهم. 

سامحيه كما تودين أن يُسامحك، فالقلوب، كالنوافذ، لا تبقى مشرعة ما لم تُفتح بمحبة كل صباح. أعيدي النظر دومًا في الرحلة، لا في نتائجها فقط، فالحياة ليست ميزان ربح وخسارة، بل هي فسيفساء من مواقف صغيرة تصنع المعنى الكبير. 

كوني له رفيقة لا خصمًا، حليفة لا قاضية، واذكري أن الرجل لا يحتاج إلى من تُراجعه الحساب، بل من تُشاطره الحلم. الحب لا يسقط فجأة، بل يذبل كما تذبل الزهرة التي تُنسى في الزاوية، فلا تشتكي جفافه إن كنتِ قد تركتِه بلا سقي، بلا كلمة، بلا احتضان. 

لا تنتظري أن تدق الخسارة بابك لتستيقظي، فبعض الطرق لا يُمكن العودة منها، وبعض الأبواب لا تُفتح مرتين.

جهاد غريب 
يونيو 2025

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حوار على حافة الضوء... بين ظلّين يعرفان بعضهما!

  حوار على حافة الضوء... بين ظلّين يعرفان بعضهما! "صوتان في حاشية كتاب قديم يكشفان أكثر مما يعترفان" * ـــــــــــــــــ جلسا متقا...