الثلاثاء، 29 أبريل 2025

لحظات من ذهب: كيف نحول العادي إلى استثنائي؟

 
لحظات من ذهب: كيف نحول العادي إلى استثنائي؟

في زحمة الحياة، تمر علينا أيامٌ كالنسيم، لا نكاد نحسّ بها حتى تختفي، لكن ثمة لحظات تعلق في الذاكرة كالنجوم، تلمع في سماء الروح ولا تتبدد!؛ ليست هذه اللحظات من صنع الصدفة وحدها، بل هي ثمرة نظرتنا، ولمساتنا، وشغفنا الذي يحيل الرماد إلى ذهب.

الاستثنائي ليس شيئًا منفصلًا عنّا، إنه العادي حين ننظر إليه بعينٍ لا ترى السطح فقط، بل تغوص إلى الأعماق!؛ طبق طعام عادي يصبح تحفةً حين يُقدّم بجمال، وكلمة بسيطة تتحول إلى شِعر حين تُقال في اللحظة المناسبة، وشارع مألوف يكتشف فجأةً جماله حين نسير فيه ببطء، كأننا نراه للمرة الأولى. الفرق بين العادي والاستثنائي هو ذلك الخيط الرفيع الذي ننسجه نحن بالانتباه، بالإضافة، وبالقدرة على رؤية ما لا يراه الآخرون.

الإبداع ليس حكرًا على الفنّانين، بل هو طريقة عيش!، انظر إلى الطاهي الذي يحوّل الخضروات إلى لوحة، أو إلى الحرفي الذي يرى في قطعة الخشب روحًا تنتظر أن تُطلق، حتى في العلاقات، كلمة حبّ عابرة قد تصبح ذكرى تُحفظ لسنوات إذا جاءت من القلب، في الوقت المناسب، وبالطريقة التي تلامس الشغاف. التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع الفارق: نظرة، ابتسامة، لمسة، أو حتى صمتٌ يحمل معنى.
 
لكن كيف نكتسب هذه العين التي ترى الخفيّ؟ الأمر يبدأ بتغيير المنظور. قد تكون الزهرة في نظر البعض مجرد نبتة، لكنها في عين الشاعر قصة حب، وفي عين العالم معجزة بيولوجية!؛ لذا "إعادة التأطير" هي لعبة العظماء!، أن نخلع النظرة المبتذلة ونلبس الأشياء ثوبًا جديدًا من الدلالات. هل تعلم أن بعض أعظم الاختراعات بدأت كفكرة بسيطة، أو كخطأ؟ المشكلة ليست في الأشياء، بل في كيفية رؤيتنا لها. 
 
ولا ننسى دور اللمسة الشخصية، تلك البصمة التي لا تُقلّد!؛ حين تضيف جزءًا من روحك إلى ما تفعله، يصبح العمل فريدًا، حتى لو كان شيئًا يفعله الملايين يوميًا. الأصالة هي التي تجعل الكوب الذي صنعته بيديك أغلى من كوبٍ آخر مثله في المتجر، رغم تشابههما.

لكن ما الذي يدفعنا إلى بذل هذا الجهد؟ إنه الشغف، ذلك الوقود الخفيّ الذي يحوّل السعي إلى متعة، والمثابرة إلى إيمان!؛ كم من مشروع بدأ عاديًا، لكن صاحبه لم يستسلم للروتين، وظل يغذيه بشغفه حتى اكتملت صورته الاستثنائية. التميز ليس محطةً نصل إليها، بل هو طريق نختاره كل يوم، رغم العقبات، رغم الملل، رغم أن العالم يهمس لنا أحيانًا: "لا تُبالغ، هذا يكفي".

والحياة الاستثنائية لا تُبنى باللحظات الكبيرة فقط، بل بتحويل اليومي إلى طقسٍ جميل، فلتجعل من فنجان قهوتك الصباحية لحظةَ تأمل، ومن حديثك مع طفلك قصةً ترويها، ومن عملك الروتيني تحديًا تبتكر فيه شيئًا جديدًا كل يوم. الامتنان هو العدسة التي تكشف لنا سحر التفاصيل، فمن يشكر النور لا يعيش في الظلام أبدًا.

ولا ننسى أن نستثمر في أنفسنا، لأن العقل المليء بالأفكار، واليد المليئة بالمهارات، قادران على خلق الاستثناء من أي شيء، وكلما تعلمنا أكثر، كلما زادت أدواتنا لرؤية العالم بطريقة أعمق، ولتحويل الطين إلى تمثال، والفكرة إلى واقع.

أخيرًا، ثقافة الاستثنائي لا تُبنى فرديًا فقط، بل جماعيًا!؛ فحين تحيط نفسك بمن يرون العالم كما تراه، وبمن يتحدون المألوف، يصبح المستحيل ممكنًا. الشركات العظيمة، والأسر المتماسكة، والمجتمعات الناهضة، جميعها تبدأ بفكرة واحدة: "لماذا نرضى بالعادي، ونحن قادرون على صنع المعجزات؟"

في النهاية، تذكّر أن اللحظات الذهبية لا تنتظر أحدًا، بل نصنعها نحن!، قد لا نستطيع إيقاف الزمن، لكننا نستطيع أن نملأه بلمساتنا، وكلماتنا، وأحلامنا، ففي كل يومٍ عادي، ثمة فرصةٌ استثنائية تنتظر من يراها... فكن عينًا ترى، ويدًا تصنع، وقلبًا يؤمن بأن حتى الذرات الصغيرة، يمكن أن تُضيء الكون.

جهاد غريب 
أبريل 2025

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سُنة الوجود!

  سُنة الوجود!  في العمق حيث يتنفس الصدق ويتراقص المعنى على حافة الصمت، هناك يكمن السر. ليس سرًا يُكتشف، بل حقيقةً تُعاش، تُلمس بأطراف الروح...