انكسارات الضوء البارد!
في الأعماقِ حيثُ تنكسرُ المرايا على حافةِ الصمت، تُولدُ الأسئلةُ كندوبٍ قديمةٍ تلمعُ في الظل. هناك، حيثُ يتوقّفُ الزمنُ عن عدِّ أنفاسهِ، يُصبحُ السقوطُ تحليقًا، والضياعُ طريقًا إلى بيتٍ لم تعرفهُ من قبل.
كلُّ شيءٍ هنا يقطرُ شفافيةً مؤلمة: الجدرانُ زجاجيةٌ، والأصواتُ تتدلّى كقطراتِ ندى على خيطِ الفجر. حتى الضوءُ الذي كانَ يدفأُ ككفٍّ حنون، صارَ باردًا كشفرةِ ماضي لم يُدفنْ بعد.
في هذهِ العزلةِ الشفافة، حيثُ لا أحدَ سوى صدى نفسكَ المُتعب، تُدركُ أنَّ الحقيقةَ ليستْ سوى جرحٍ تعلّمَ الغناء. كلُّ الكلماتِ التي رفعتها سُتراتًا بينك وبين العالم، تسقطُ الآنَ كأوراقِ خريفٍ مبلولة. اللغةُ تعجزُ، لكنّ الصمتَ يبدأُ بنحتِ كيانٍ جديدٍ من رحمِ الفراغ.
هل سمعتَ يومًا صوتَ الظلِّ وهوَ يتحوّلُ إلى مرآة؟ هل رأيتَ كيفَ تُمسي الذكرياتُ سفنًا راسيةً على سطحٍ متجمّد، تنتظرُ ذوبانًا لن يأتي؟ في اللحظةِ التي تظنُّ فيها أنَّكَ انكسرتَ للأبد، يخرجُ من بينِ عظامكَ نداءٌ خفيٌّ يقودُك إلى حافةِ الوجود. هناك، حيثُ لا شيءَ يحتملُ الوقوفَ عليه، تتعلمُ أن تكونَ هواءً لا ينكسر.
الانهيارُ الهادئُ ليسَ نهايةً، بل هوَ الفجرُ الذي ينسجُ نفسهُ بخيوطِ عنكبوتٍ رقيق. كلُّ منْ يذوبُ ظلُّه لا يختفي... بعضُ الأرواحِ لا تُولدُ إلا بعدَ أنْ تمرَّ في النارِ كالزجاج.
في النهاية، حينَ تُلملمُ الأشياءُ نفسها، وتصبحُ اليدُ التي تمسكُها خاويةً وخفيفة، تشعرُ بدفءٍ غريبٍ ينسابُ كدمعةٍ لم تسقط. ربما لأنَّك أخيرًا فهمتَ: كلُّ هذا السقوطَ كانَ رحيلًا إلى بُعدٍ آخرَ في نفسِ المكان.
جهاد غريب
يوليو 2025