ها أنا... كما أريد، لا كما أرادوا!
هل شعرت يومًا أنك تركض بلا توقف، لكنك لا تقترب من وجهتك؟ كأنك تصطدم بحاجزٍ شفاف، لا تراه لكنه يمنعك من الارتفاع؟
نُحمّل الطريق المسؤولية، فنبدّل الاتجاهات، نخطط لهروب كبير، نبحث عن أبواب جديدة... بينما تكمن المشكلة في تفصيلة صغيرة منسية: مفهوم قديم لم نتجرأ على مراجعته. أحيانًا لا تحتاج الحياة إلى ثورة، بل إلى نافذة صغيرة تُفتح في جدار ظنناه مغلقًا إلى الأبد. يكفي أن تنظر من خلالها، لتكتشف أن الضوء كان ينتظرك منذ البداية.
نحن نحمل عبارات مثل: "هذا مستحيل"، "هذا قدري"، "الناس سيقولون..." كأنها حقائق لا تقبل الشك، بينما هي في الأصل أفكارٌ زُرعت فينا مبكرًا، فكبرت معنا مثل شجرة جذورها مدفونة في أساس البيت. صارت جزءًا منا دون أن ننتبه. جرّب اليوم أن تكتب ثلاثة معتقدات تُوجه قراراتك، ثم اسأل نفسك: ماذا لو كان العكس هو الصحيح؟
قد تندهش حين تكتشف أن بعض السقوف التي منعتك من التحليق، لم تكن إلا ظلالًا من أوهام، وأن المفتاح كان في يدك منذ البداية.
لكن العقبة لا تكمن في المعتقدات وحدها، بل أيضًا في تلك "البوصلة" التي نُهملها وسط الزحام. نضع أهدافًا واضحة، نرسم خططًا دقيقة، ونسير بإصرار... لكننا ننسى أن نسأل أنفسنا: هل ما زلتُ أريد هذا الطريق؟ كأنك تسافر بعيدًا، ثم تكتشف فجأة أنك لم تعد تُحب السفر.
الالتزام بالخطة لا يعني أن تتجاهل تحوّلاتك الداخلية. توقّف قليلًا، أخرج بوصلة ذاتك واسأل: هل ما زالت هذه القيم تعبّر عني؟ أم أنني أسير فقط وفاءً لنسخةٍ قديمة مني؟ العودة إلى الذات ليست تراجعًا، بل علامة نضج، وحنوّ على الروح.
ولا تحتاج هذه العودة إلى انقلاباتٍ عنيفة. التغيير الجذري قد يبدو مخيفًا، لكن التغيير الهادئ – التدريجي – كالماء، يتسلل من أضيق الشقوق ويصنع مجرى جديدًا.
ابدأ من تفاصيلك الصغيرة: غيّر روتينك الصباحي، قل "لا" لشيء كنت تقول له "نعم" مجاملةً، أعد ترتيب غرفتك. غالبًا ما تكون الفوضى من حولنا انعكاسًا للفوضى في دواخلنا. وكما قال جلال الدين الرومي: "أنت لست قطرة في المحيط، بل المحيط كله في قطرة". يكفي أحيانًا ثقب صغير، حتى يفيض منه النور.
وهذا النور لا يأتي من الخارج، بل ينبت من الداخل، حين تعثر على صوتك الخاص وسط ضجيج التوقعات. المجتمع يصرخ فيك: "كن هكذا!"، لكن الحكمة أن تكتشف ما يُحييك، لا ما يُرضيهم. فكّر: متى كانت آخر مرة فعلت شيئًا فقط لأنك أردته؟ تذكّر: الضوء لا يحتاج إلى بوابة كبيرة... يكفيه شقّ صغير وشجاعة حقيقية ليتسلل.
وفي النهاية، لن يُطلب منك أن تهدم كل الجدران، بل أن تفتح كوةً تكفي لترى نفسك من جديد.
ربما يكون اليوم هو اليوم الذي تُطفئ فيه ضوءًا اصطناعيًا ظلّ مضاءً لأن الجميع ظنّك نائمًا،
أو اليوم الذي تهمس فيه لقلبك: "حسنًا... لنجرب طريقًا آخر". لأن الحياة ليست سباقًا نحو خط نهاية، بل رحلةٌ نكتشف فيها أنفسنا عند كل منعطف. وإذا صادفت ذاتك يومًا، فلا تتردد... ابتسم، وقل: "ها أنا... لم أعد أختبئ."
لا تبحث عن الباب... فقد تكون تحمل المفتاح منذ زمن، دون أن تدري.
جهاد غريب
يوليو 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق