الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025

الاعتزال: عودة الإنسان إلى ذاته

 

الاعتزال: عودة الإنسان إلى ذاته

 

"حين يصبح الصمتُ مقاومة، والوحدةُ خلاصًا كريمًا"

 

 



بينما يظلّ الاعتزال، في العقلية الجمعية للمجتمعات التي تُمجّد الانتماء وتُدين التفرد، فعلًا يُستدعى له الشفقة أو تُلقى عليه تهمة النكران، فإنه في جوهره ليس هروبًا من الآخرين، بل عودة هادئة إلى الذات، واستردادٌ لما فُقد منها في ضجيج الجماعة. إنه ذلك الفعل الجريء الذي تُعلن فيه النفسُ سيادتها على مساحاتها المصادرة، وتتنفّس هواءها النقي بعد طول اختناقٍ تحت وطأة التبعية والخذلان. هناك، في عزلةٍ تشبه طُهر الولادة، يُسمع صوت الضمير الداخلي للمرة الأولى بلا مقاطعة، وتُولد الكرامة من رحم الصمت.

 

يأتي الاعتزال، في أحد أبعاده الأعمق، كـ رفضٍ واعٍ للانغماس في منظومةٍ تُعيد إنتاج الألم، وتُكرّس التبعية، وتُطفئ النور الداخلي في الإنسان. إنها لحظة الإدراك الصادق بأن الاستمرار في علاقةٍ أو بيئةٍ ما لم يعد ممكنًا دون أن يفقد المرء جوهره. فيختار الانسحاب، لا انتقامًا، ولا عقابًا، بل نجاةً من التلاشي البطيء. إنه إعلانٌ صامت، لكنه مدوٍّ في باطن الروح: «أنا أستحق أن أُرى، أن أُحترم، أن يُصغى إليّ».

 

وهذا الرفض الوجودي لا يبقى مجرد فكرة، بل يتحول إلى فعل مصيري.

 

في مساءٍ هادئ، وقفت أمام خزانتها، تطوي حقيبة صغيرة لا تحمل سوى ما يكفي للنجاة. 

أغلقت الباب خلفها دون ضجيج، وكأنها تُغلق فصلًا لا يُريد أن يُكتب بعد الآن. 

أطفأت هاتفها، لا هروبًا من العالم، بل استعادةً لحقها في الصمت. 

لم تترك رسالة، ولم تطلب إذنًا. 

كانت تلك اللحظة، بكل بساطتها، إعلانًا داخليًا: أن البقاء لم يعد كرامة، وأن الاعتزال لم يكن هروبًا، بل استعادةً للنفس من بين أنقاض التمثيل.

 

ويتخذ هذا الإعلان أشكالًا شتّى: قد يكون ابتعادًا عن علاقاتٍ تُمارَس فيها قسوة العاطفة وتجاهل الوجود، أو توقفًا عن أداء أدوارٍ خدمية بلا تقدير ولا معنى، أو انسحابًا من طقوسٍ اجتماعيةٍ تُكرّس الإنكار والتماثل القسري. في كل تلك الحالات، يكون الاعتزال هو أكثر الأفعال صدقًا حين يُحاصر الإنسان بالزيف.

 

وعندما ننتقل إلى دائرة العاطفة، يصبح الاعتزال أكثر وجعًا، وأكثر صفاءً في الوقت ذاته. فهنا لا يعني الانسحاب انتهاء الحب، بل انتهاء الوهم. حين تتحوّل العلاقة إلى عبءٍ على الروح، ويُطلب من أحد الطرفين أن يخفي وجوده، أو ينكر مشاعره، أو يرضى بأن يعيش في الظل بدلًا من النور، يصبح الاعتزال فعل كرامةٍ لا بديل له.

 

إنه تطهيرٌ عاطفيّ، تُحرّر فيه النفس نفسها من وعودٍ مؤجلة، ومن انتظارٍ بلا أفق، ومن حبٍّ لا يُعترف به. عندها تستعيد الذات سيادتها على وقتها ومشاعرها وحدودها. فالحبّ الذي يُخجل أصحابه ليس حبًّا، والذي يُطلَب فيه الصمت ليس حبًّا، والذي لا يُعلن إلا سرًّا هو وهمٌ متقن التنكّر. وفي وجه هذا الوهم، يصبح الاعتزالُ أجمل ما يُقال: «أنا أحب، لكنني لن أُهان باسم الحب».

 

وهكذا يتجلّى الاعتزال، سواء من جور المنظومة أو من وهن العلاقة، كـ ولادة ثانية للروح. لحظةٌ يعيد فيها الإنسان رسم حدوده، ويفصل بين ما يُغذّي روحه وما يُنهكها، بين ما يُحتمل وما لا يُحتمل. إنه اختبارٌ للشجاعة الحقيقية، التي لا تُقاس بالبقاء في المكان الخطأ، بل بالقدرة على قول «كفى»، وعلى مغادرة المسرح حين يُسلب الدور، وعلى اختيار وحدةٍ كريمة على مشاركةٍ مُهينة.

 

فالاعتزال، في جوهره، قمة المقاومة الهادئة؛ لأنه يردّ إلى الإنسان حقّه الأصيل في أن يكون، بكل كماله ونقصانه، دون إذنٍ من أحد، ودون حاجةٍ إلى جمهورٍ يُصفّق.

 

الاعتزال.. حق سيادي لا يُطلب، بل يُمارَس.

 

في النهاية، ليس الاعتزال انقطاعًا عن العالم، بل عودة إلى النواة الأولى فينا، حيث لا يُسمع سوى صوت القلب وهو يستعيد حقه في الهدوء. فحين يختار الإنسان عزلته بوعي، فإنه لا يهرب من الحياة، بل يعود ليحياها بشروطه هو.

 

جهاد غريب

نوفمبر 2025

 

 

حين يتحول العتاب إلى صمت

 

حين يتحول العتاب إلى صمت

 

"عن النداء الأخير قبل انطفاء الصوت"

 




كثيرًا ما يُصوَّر العتاب في سياق العلاقات على أنه جسرٌ للترميم، أو لغةٌ لا يتقنها إلا من يحبون بصدق.

لكن قلما يُدرك أحد أن العتاب، في كثير من الأحيان، ليس رسالة تقويم، بل صرخة نجاة أخيرة.

إنه النداء الذي يُطلقه القلب من حافة الانهيار، حين تتحول الحوارات إلى أحاديث مع الصمت، والرجاء إلى مناجاة للجدران.

في تلك اللحظة، لا يكون العتاب وسيلةً للعودة، بل شاهدًا على موت التواصل، على المسافة التي اتسعت حتى صارت جرحًا.

 

العتاب لا يولد من فراغ؛ بل هو نتيجة تراكمات من الخذلان والإهمال.

هو الورقة الأخيرة التي يراهن بها الإنسان على وجود صدى لصوته في قلبٍ آخر.

لكن حين يُقابل هذا النداء بالتجاهل أو بالتهكم، يتحول من محاولة تقارب إلى خيبةٍ موجعة.

يشعر صاحب العتاب أن وجوده العاطفي أصبح عبئًا، وأن مشاعره غير مرحب بها، فيبدأ الانسحاب الهادئ من العلاقة.

القطيعة لا تبدأ بالجفاء، بل حين يفقد الأمل في أن يُفهم.

 

ثم تأتي اللحظة التي لا تسعها الكلمات.

بعد أعوامٍ من الصبر والكبت، ينفجر ما تراكم في الأعماق كبركانٍ صامتٍ طال انتظاره.

يخرج الألم على هيئة صرخة، أو دمعة، أو حوارٍ غاضب، لكنه في جوهره إعلان صدق لا اعتداء.

ورغم ذلك، يُفسَّر الانفجار غالبًا كهجوم، فيُلام صاحبه لا على ما فُعل به، بل على جرأته في التعبير عمّا فُعل به.

تُجرّم الصراحة بينما يُغفر التجاهل، ويُعاقَب من يتكلم أكثر ممن يصمت وهو ينزف.

 

وحين تعجز اللغة، يبدأ الجسد في الكلام.

كسرُ كأس، تمزيقُ رسالة، أو حتى انسحابٌ مفاجئ — كلها لغاتٌ بديلةٌ يحاول بها الإنسان أن يقول:

"ما ينكسر في داخلي أكبر مما أُظهره".

لكن المجتمع يكتفي بإدانة الفعل الظاهر، متجاهلًا الألم الباطن الذي أطلقه، كأن الجرح الحقيقي لا يُحسب ما لم يُنزف علنًا.

 

في النهاية، القطيعة ليست غيابًا فحسب، بل اعترافٌ بالهزيمة:

هزيمة الصوت أمام الصمت، والعاطفة أمام البرود، والأمل أمام اللامبالاة.

ذلك العتاب الذي لم يُستجب له، وذلك الانفجار الذي لم يُحتوَ، وذلك الانسحاب الذي لم يُفهم —

كلها محطات في رحلةٍ من النداء إلى الانطفاء.

لكنها، في جوهرها، ليست ضعفًا، بل دليل على إنسانٍ أراد أن يُحَب، أن يُرى، أن يُسمع.

وحين قرر الصمت أخيرًا، لم يكن هروبًا، بل وقفة كرامةٍ أخيرة لإنسانٍ قال كل شيء، ولم يسمعه أحد.

 

أحيانًا، لا يكون الصمت نهاية الحكاية، بل أصدق شكلٍ من أشكال العتاب.

فحين يُطفئ القلب صوته، يكون قد قال كل ما لا تُقاله الكلمات.

 

جهاد غريب

نوفمبر 2025

 

 

الكرامة: المعركة الصامتة التي لا يراها أحد

 

الكرامة: المعركة الصامتة التي لا يراها أحد

 

"حين يكون الثمن هو نفسك، ويكون المكسب أن تبقى كما أنت"

 




في عالمٍ يبدو فيه الانحناء شرطًا للبقاء، والمساومة على المبادئ طريقًا للنجاح، تبرز الكرامة كخيارٍ صعب لا يجرؤ عليه إلا من يملك شجاعة الخسارة من أجل الحفاظ على ذاته. إنها ليست شعارًا يُرفع في الخطب، بل قرارٌ يوميٌّ يتجسد في اللحظات الحرجة، حين تُعرض على الإنسان طرق سهلة توهن النفس، فيختار الدرب الوعر الذي يُبقيه واقفًا أمام مرآته دون خجل. الكرامة هي ذلك السور الخفي الذي يمنع الإنسان من التحوّل إلى سلعةٍ أو ظلٍّ لغيره، هي الحدّ الفاصل بين أن تملك نفسك أو تملكك الظروف.

 

في عمق العلاقات الإنسانية، تبرز صورة المرأة التي تختار أن تختفي لتُبقي من تُحب في النور. تلوذ بالصمت لا خوفًا، بل حفاظًا، وتتنازل عن حقها في الظهور لتصون قلبًا آخر من تبعات قاسية. تضحي بحضورها العلني كي تحمي الآخر من نظرةٍ اجتماعيةٍ ظالمة أو نظامٍ لا يرحم. لا أحد يصفق لها، بل قد تُدان بصمتها، لكنها تعرف في أعماقها أن الوفاء الحقيقي أحيانًا يعني أن تُلغى من الصورة لتبقى المعنى خلفها.

 

ثم تأتي الكرامة كصوتٍ يعلو في لحظات الانكسار المادي. امرأةٌ تقف في وجه الجوع، ترفض أن تُقايض جسدها بمأوى أو عطفٍ زائف. تختار العمل المرهق على الخضوع، والكرامة على الارتزاق العاطفي. تعرف أن الخط الأحمر الذي يحميها من السقوط ليس قانونًا خارجيًا، بل ميثاق داخليّ مع النفس: أن تبقى جديرة باحترامها لذاتها مهما تضاءلت الخيارات. إنها معركة صامتة، لا تشهدها الكاميرات، لكنها الانتصار الأعمق الذي يحفظ للإنسان ملامحه حين يوشك أن يفقدها.

 

وفي ميدان الحب، حيث تلتبس المشاعر بين الشوق والتملك، تتجلى الكرامة في قدرتك على الحب دون أن تُذل، والوفاء دون أن تُمحى. المرأة التي تظل مخلصة لقلبها دون أن تُخضع جسدها، لا تفعل ذلك بدافع الخوف، بل بدافع الإيمان بأن الجسد مرآة للكرامة، وأن النقاء قرارٌ روحي قبل أن يكون اجتماعيًا. إنها تعرف أن الحب لا يُقاس بالإعلان عنه، بل بقدر ما يُبقي الإنسان صادقًا مع ذاته حتى في الغياب.

 

الكرامة ليست وسامًا يُمنح، بل اختبار يوميّ في صمت الضمير. هي الحدّ الأخير بين الإنسان وظله، بين أن يحيا واقفًا أو يعيش منحنيًا. في زمنٍ يُكافئ الانحناء ويُعاقب الثبات، تبقى الكرامة أعظم انتصارٍ خفيّ: أن تخسر كل شيء وتربح نفسك.

 

الكرامة ليست ما نحمله أمام الناس، بل ما نحمله في داخلنا عندما لا يرانا أحد. إنها الصوت الأخير للنفس وهي تقول بثبات: ما زلتُ أنا.

بعد كل هذه المعارك الصامتة... فهل نملك الشجاعة لنخسر كل شيء... لنربح ذواتنا؟

 

جهاد غريب

نوفمبر 2025

 

 

الاثنين، 3 نوفمبر 2025

كلمات في الظل: الكتابة النسائية بين الاعتراف والتهميش

 

كلمات في الظل: الكتابة النسائية بين الاعتراف والتهميش

 

"كيف تصبح الكتابة ساحة مقاومة في عالم يرفض سماع المرأة"

 

 



في عالم يضج بالأصوات، تبقى كلمات الكاتبة كنداء في برية صامتة. فهي لا تمسك بالقلم لمجرد التفريغ عن مشاعر مكبوتة، بل لتشق طريقًا لوجودها في فضاء يرفض أن يسمعها. الكتابة هنا ليست مجرد حروف على الورق، بل فعل مقاومة يومي وشهادة على زمن يريد للمرأة أن تبقى في الظل. لكن هذه المقاومة تواجه بتهم "الثرثرة" و"الفضفضة"، وكأن صوت المرأة لا يحمل سوى همومها الشخصية، لا هموم وطن أو قضية أو إنسان.

 

يبدأ الظلم عندما تُختزل الكتابة إلى مجرد وسيلة للتنفيس العاطفي. فحين تكتب المرأة عن ألمها، يُقال لها إنها تبحث عن راحة نفسية. لكن حين ترفع صوتها ضد ظلم ما، أو تكشف عن قصة تستحق أن تُروى، تتحول هذه الكتابة من "فضفضة" إلى تهديد. يرفض المجتمع أن يرى في كلمات المرأة قوة قادرة على هز أركان الصمت، فيحاول حبسها ضمن إطار ضيق، إطار المشاعر الشخصية التي لا تتعدى حدود الذات. لكن الحقيقة أن كل كلمة تكتبها المرأة هي إعادة لرسم خريطة الوجود، تأكيد على حقها في المشاركة في تشكيل الوعي الجمعي.

 

ويصل الظلم ذروته عندما تُمارس عملية التدقيق والصياغة، ذلك الجهد الخفي الذي لا يقل أهمية عن عملية الكتابة نفسها. فالمنقحة، التي تقف خلف الكلمات، تعيد صياغة الجمل، تختار المفردات بعناية، تبني المعاني طبقة فوق طبقة، لكنها تبقى غير مرئية. يُنسب العمل في النهاية لمن وقّع عليه، وينسى من كان المهندس الحقيقي للفكرة، من حول الكلمات الخام إلى تحفة فنية. هذا التجاهل ليس مجرد نكران للجميل، بل إنكار لدور أساسي في العملية الإبداعية برمتها.

 

الأمر لا يتوقف عند حدود الاعتراف بالجهد، بل يتعداه إلى اعتبار هذا العمل التحريري مجرد عمل تقني لا إبداعي. لكن الحقيقة أن كل جملة محذوفة، وكل كلمة مستبدلة، وكل فقرة أعيد ترتيبها، تمثل خيارًا إبداعيًا بحد ذاته. المنقحة لا تصلح الأخطاء اللغوية فحسب، بل تزرع الروح في النص، تجعل الكلمات تتنفس، وتمنحها القوة لتصل إلى القلوب قبل العقول.

 

في الختام، تكمن المشكلة الحقيقية في النظرة الدونية لعمل المرأة الكتابي، سواء أكان كتابة أم تحريرًا. فالمرأة التي تكتب لا تطلب إعجابًا أو مجاملة، بل اعترافًا بأن كلماتها تستحق أن تُسمع، وأن جهدها يستحق أن يُرى. الكتابة ليست ترفًا يمكن الاستغناء عنه، بل سلاح الضعفاء في مواجهة آلة التهميش والإقصاء. والمنقحة التي تظل خلف الكواليس هي كالمخرجة التي تنسق كل مشهد، بينما يشاهد الجميع الممثلين فقط. الاعتراف بجهودها ليس منّة، بل حق من حقوقها كشريكة في صناعة المعنى وإنتاج الثقافة.

 

الاعتراف بالكلمة، سواء المكتوبة أو المحررة، هو الضوء الذي يمنحها الحياة، والحق الذي يحررها من الظل.

 

جهاد غريب

نوفمبر 2025

 

المرأة المنفية في قلب الحضور

 

المرأة المنفية في قلب الحضور

 

"عن الخذلان الصامت الذي لا يُرى ولا يُقال"

 



 

ليست الخيانةُ كلُّها طعناتٍ غادرة،

وليست كلُّ قطيعةٍ صاخبة.

 

فبعضُ الخيانات تسير على أطراف أصابعها،

تختبئ في تفاصيل الحياة اليومية،

وتتسلّل إلى الروح مثل ظلٍّ خفيٍّ لا يُكتشف إلا متأخرًا.

 

إنه ذلك الغياب حين تحتاج المرأة إلى حضورٍ قريبٍ أو صديقٍ يشهد لها،

وذلك الصمت في اللحظة التي يتطلّب فيها الموقف كلمةً واحدة.

 

المرأة المنفيّة ليست من ترحل بعيدًا،

بل تلك التي تبقى في قلب المشهد

لكنها تُعامَل كأنها شبحٌ لا يُرى.

 

تمنح، وتضحي، وتحتمل،

ثم تُمحى من الذاكرة العامة،

كأن وجودها خطأٌ يجب تصحيحه،

أو عارٌ ينبغي إخفاؤه.

 

حين تختار المرأة أن تروي جرحها،

أن تكشف ما وراء صمتها،

لا تطلب معجزة،

بل شاهدًا صادقًا واحدًا يهمس:

"أنا أصدقكِ... أنا معكِ".

 

لكن حين يتحوّل الداعم إلى متفرّجٍ صامت،

يصبح صمته خيانةً ناعمة، لا تُسمّى ولا تُدان.

 

فالخذلان الحقيقي لا يأتي من الأعداء،

بل من الحياد غير المبرَّر،

من أولئك الذين يقفون على الهامش

بينما يتهاوى قلبك في المنتصف.

 

في تلك اللحظة تبدأ أولى درجات النفي،

ليس بالنسيان، بل بتجاهل النداء.

 

ثم تأتي مرحلة النجاة.

حين تنهضين من تحت الركام،

تحاولين لملمة شتاتكِ بشجاعةٍ نادرة،

فتنتظرين أن تمتد نحوك الأيدي،

أن تراك العيون بإعجابٍ وامتنان،

لكنّك تصطدمين بنظراتٍ تُذكّركِ بماضيكِ بدل أن تحتفي بحاضركِ.

 

يُذكّرونكِ بأنكِ "ضحيةٌ سابقة"،

يطالبونكِ بالبقاء في دور الضعيفة

حتى لا تُربكي توازن المشهد الذي ارتاحوا إليه.

 

نجاتك تُحرجهم،

لأن قيامكِ يُظهر تخاذلهم.

 

فيحاولون إعادتكِ إلى قفص الصمت،

لأن نسختكِ القوية لا تناسب الصورة التي رسموها لكِ.

 

ولا يقتصر النفي على لحظات الانكسار،

بل يمتد إلى تفاصيل الحضور اليومي.

 

المرأة المنفيّة هي التي تُوجَد ولا تُرى،

تُعطي في الخفاء وتُنسى في العلن.

 

هي الكتف في العتمة،

والظل في المشهد،

والصوت الذي لا يُذكر بعد انطفاء الحاجة إليه.

 

تُستدعى حين يحتاجون إلى حنانها،

لكنهم يتنكرون لها حين تحتاج إلى مساحةٍ في الضوء.

 

يُقدّمون لها وعودًا خلف الأبواب،

ثم ينكرونها تحت الشمس.

 

فيتحوّل عطاؤها إلى تهمة،

وصدقها إلى عبء،

ووجودها إلى خطرٍ يجب إسكاتُه.

 

النفي إذن ليس مكانًا تُرمى فيه المرأة،

بل أسلوب معاملةٍ يقتلها ببطء.

 

أن تعيش وسط الناس وتشعر بالوحدة،

أن تتكلم ولا يُسمع صوتك،

أن تُحبّ ويخجل الآخر من حبّك،

أن تنجو ويُعاقبوك لأنك لم تَغْرقي معهم.

 

المرأة المنفيّة لم تختفِ،

بل أُخفيت قسرًا من الذاكرة الجماعية.

 

والمجتمع الذي يُقصي من أحبّ

لأنه لا يناسب صورته المثالية،

هو مجتمعٌ لم يتعلّم بعد معنى الحب،

ولا معنى الشراكة الإنسانية.

 

فالحبّ الحقيقي لا يخجل من محبوبه،

لا يخبّئه في الظل،

ولا ينكر فضله.

 

الحبّ الناضج يقول للعالم:

"هذه قصّة إنسانٍ،

هذا اختياري،

وهذا الإنسان يستحق أن يُرى."

 

المرأة المنفيّة لا تبحث عن عرشٍ،

ولا عن تصفيقٍ،

بل عن اعترافٍ بسيطٍ بأنها كانت هنا.

 

وحين يُقال لها أخيرًا:

"نراكِ"...

عندها فقط ينتهي النفي،

ويبدأ الوجود الحقيقي.

 

جهاد غريب

نوفمبر 2025

 

 

الحب والصداقة بين الخفاء والنور

 

الحب والصداقة بين الخفاء والنور

 

"تأمل في العلاقات الإنسانية بين حكم المجتمع وصدق المشاعر"

 



في عالم يفرض الواقع الاجتماعي شروطًا قاسية على العلاقات الإنسانية، توجد مساحات عاطفية تُجبر على الاختباء في زوايا الخفاء. هذه العلاقات ليست محرّمة بالمعنى الأخلاقي أو الديني، لكنها ضحية صورة نمطية يفرضها مجتمع يقدّس المألوف ويخاف من المختلف. هي صداقات ومشاركات فكرية وروابط عاطفية تختار الصمت، لا لأنها تخجل من نفسها، بل لأنها تخشى نظرة تُحوّل الصدق إلى تهمة، والإنسانية إلى جرمٍ مستتر. وهكذا، تتحوّل تجربة روحية غنية إلى علاقة تُضطر إلى التخفي، وكأن الصدق العاطفي أصبح جريمة في عصرٍ يكرّم المظاهر أكثر مما يقدّر القلوب.

 

يُقابل الحب الذي ينشأ عبر الشاشات بازدراء وسخرية، فيُوصف بالوهم أو العبث. لكن هذا الحكم الجائر يتجاهل أن بعض هذه العلاقات تمتلك عمقًا لا تصل إليه العلاقات التقليدية نفسها. ففي غياب المظاهر السطحية، يبرز جوهر الإنسان كما هو؛ روحٌ تبحث عن روحٍ تشبهها، وعقلٌ يجد صدى فكره في عقلٍ آخر. هناك، خلف الضوء الأزرق للشاشة، تتجلى أحيانًا أصدق صور التوافق الروحي؛ توافق لا تحده المسافات، ولا تلوّنه المصالح، ولا يزيفه المظهر. إنها روابط تنشأ من لغة الفكر والوجدان، لا من لغة الجسد، وتقوم على فهمٍ حقيقي يتجاوز ما تراه العين إلى ما يشعر به القلب.

 

أما الصداقة بين الجنسين فتواجه اختبارًا أشد قسوة. فهي تُعتبر في عيون المجتمع تهديدًا خفيًا للنظام الأخلاقي، وكأن النقاء لا يُمكن أن يقوم إلا بين المتشابهين. تُجبر المرأة على إخفاء صداقاتها، ليس لأنها تُخالف قيمها، بل لأن الشكوك المسبقة تُلاحقها حيثما وجدت. وهكذا تتحول النظرة المجتمعية إلى سجنٍ غير مرئي يحرم الإنسان من علاقاتٍ صافية، قد تكون مصدر دعمٍ روحي ومعنوي لا يُعوّض.

 

ومع ذلك، لا يعني الدفاع عن شرعية هذه المشاعر تبرير أي تجاوزٍ أو علاقةٍ تتنكر للضوابط الأخلاقية. بل هو دعوة إلى الإنصاف والتمييز بين المشاعر الصادقة النقية التي تلتزم بالقيم، وتلك التي تُسيء باسم الحرية. فالنقاء الحقيقي لا يكمن في إنكار العاطفة، بل في صدقها وشفافيتها. والحرية المسؤولة لا تعني كسر الإطار، بل العيش داخله بوعيٍ ونيةٍ صافية.

 

في النهاية، ليست المشاعر النقية هي التي تستحق الخفاء، بل الأحكام التي تسيّجها. ليست الحرية في هدم القيم، بل في أن نعيشها بصدق دون خوفٍ من العيون. فالحب والصداقة، حين يولدان من التوافق الروحي، لا يهددان القيم، بل يُعيدان إليها معناها الإنساني الأصيل.

 

المشاعر الصادقة لا تحتاج إلى إذنٍ لتزدهر، لأنها تُزهر من الداخل، وتضيء حتى في أكثر زوايا الخفاء ظلمة.

 

جهاد غريب

نوفمبر 2025

 

الأحد، 2 نوفمبر 2025

رقصة الدبلوماسية الأخيرة

 

رقصة الدبلوماسية الأخيرة

 

كيف ينجو صاحب الرؤية من معركة "العقل المُجرَّد" و"سهوب التفاصيل"؟

 




لكل فكرةٍ جناحانِ من نور، تحلِّقُ بهما في سماوات الخيال، بلا ثقلٍ ولا قيود. هي كاللوحةِ المرسومةِ بألوانِ الحلم، تلمعُ وعدًا بالجمالِ والإنجاز. ولكن، ثَمّةَ لحظةٌ حاسمةٌ لا بدَّ منها، لحظةٌ يهبطُ فيها هذا الملاكُ النورانيُّ إلى الأرض، حيث تمتحنُهُ صخورُ الواقعِ وسُهُوبُ التفاصيل.

 

في تلك اللحظةِ بالذات، تُولدُ المعركةُ الصامتة.

 

إنها ليست معركةَ خيرٍ وشرّ، ولا حقٍّ وباطل، بل هي معركةٌ بين شغفِ الرؤيةِ وروتينِ التنفيذ، بين لغةِ القلبِ ولغةِ العقلِ المُجرَّدة. يدخلُ صاحبُ الرؤية، حاملًا بينَ كفَّيهِ شرارةً أولى، أضاءتْ في داخله. يأتي بها إلى من يمتلكونَ مفاتيحَ الأبوابِ ومفاتيحَ الصنعة، ظنًا منه أنَّ الشرارةَ كافيةٌ لإشعالِ النار.

 

لكن العوالمَ مختلفة.

 

فهناك، حيث تجلسُ "البيروقراطية" على عرشها المحاطَ بالبياناتِ والأنظمة، يُنظرُ إلى كل شرارةٍ بعينِ الحذر. إنهم حراسُ الجوهر، القائمونَ على هيكلِ المنظومةِ القائمة. يرونَ في كل فكرةٍ جديدةٍ زائرًا غريبًا، قد يحملُ الهديةَ أو يحملُ الفوضى. وقلَّما يثقُ الحراسُ بالغرباء.

 

هنا، يبدأ اختبارُ صاحبِ الرؤية. ليس اختبارَ فكرتِه فحسب، بل اختبارَ صبرِه، ورباطةِ جأشِه، وصفاءِ روحِه. عليه أن ينتقلَ من كونهِ حالمٌ مُطلقٌ إلى يكونَ دبلوماسيًا صلبًا. عليه أن يبني جسورًا من الفهم بين ضفةِ حماستِه وضفةِ حذرِهم. إنها رقصةٌ دقيقة، خطأٌ واحدٌ فيها قد يُضيِّعُ الحلمَ في أرشيفِ التفاصيل.

 

الاندفاعُ هنا عدوُّ الإبداع. فالنارُ التي تشتعلُ بسرعةٍ، تنطفئُ بسرعة. أما النارُ التي تُوقَدُ بصبر، بقطعةِ خشبٍ تلو الأخرى، بنَفَسٍ ثابتٍ لا يمل، فتلكَ هي التي تدفئُ المكانَ وتضيءُ الآفاقَ وتدومُ طويلًا.

 

إنه صراعُ الإراداتِ في غرفِ الاجتماعاتِ المغلقة، حيث لا صراخَ فيها، بل نظراتٌ محسوبة، وكلماتٌ موزونة، وأسئلةٌ تُلقى كالسهام. وفي خضمِّ هذه العاصفةِ الهادئة، يمسكُ صاحبُ الرؤية الأصيلُ ببوصلةِ يقينه. يعرفُ أنَّ استسلامَه يعني موتَ فكرتِه في مهدها، وتحويلَها إلى مجردِ ذكرى في أرشيفِ "ماذا لو؟".

 

لكن الانتصارَ لا يكونُ بالصدام، بل بالإقناع. لا بالغلظة، بل بالسلاسة. لا بإثباتِ أنَّ الآخرين على خطأ، بل بإثباتِ أنَّ الفكرةَ تستحقُّ أن تُضافَ إلى صوابهم. إنها فنُّ تحويلِ الخصومِ إلى حلفاء، وتحويلِ الجدرانِ إلى جسور.

 

وعندما ينجح، يحدثُ التحوُّلُ السحري. لم تعدِ الفكرةُ عبئًا على كاهلِ من أتى بها، بل تنتقلُ بكل ثقلِها ومسؤوليتِها إلى أولئك الذين كانوا يحرسونَ الباب. يصبحُ نجاحُها شأنًا لهم، وفشلُها تقصيرًا منهم. عندها فقط، تتحررُ الروحُ المبدعةُ لترحلَ بحثًا عن شرارةٍ جديدة، تاركةً النارَ تضطرمُ خلفها بأيدي من أصبحوا حراسًا لها.

 

فهل تعيشُ فكرتُك هذه الرحلةَ الشاقة؟ إذا كان الجوابُ نعم، فتَذَكَّر: أعظمُ الأفكارِ لا تموتُ لأنها مستحيلة، بل تموتُ لأنَّ أصحابَها لم يمتلكوا صبرَ النحاتِ وهو يُخرجُ من حجرِ الواقعِ تمثالَ حلمه.

 

 

جهاد غريب

نوفمبر 2025

 

 

رحلة الفكرة من الصمت إلى النور

 

رحلة الفكرة من الصمت إلى النور

 

"بين من يتناغم مع اللحظة، ومن يصنع الجوهر، ومن يقرأ الكتاب الجماعي للإنسانية"



 

 بسمِ الفكرةِ التي وُلدتْ من رحمِ الصمت…

 

في أول الصمت كانت الفكرة... طيفًا يسبحُ في فضاءاتِ الوعي، بذرةً كامنةً في تربةِ العقل البشريّ، تنتظرُ أن تُروى بلحظةِ إلهامٍ، أو تُحرّكَها رغبةٌ عميقةٌ. لكنّ هذه البذرةَ لا تنبتُ بالطريقةِ ذاتها في كلِّ عقلٍ، ولا تسيرُ نحو النورِ على الدربِ عينِه. فالناسُ في عالمِ الأفكارِ أصنافٌ ثلاثةٌ، تتجلى فيهم أسرارُ الخلقِ والإبداعِ بوجوهٍ مختلفة.

 

الفئةُ الأولى: هم أبناءُ اللحظةِ الحاضرة، أولئك الذين لا يفصلُ بين الومضةِ والانطلاقِ حجابٌ. كأنّ أفكارَهم أنهارٌ جاريةٌ، تتدفّقُ من منبعٍ لا ينضبُ، فيُبدعون من غيرِ تردُّدٍ، وكأنّما الفكرةُ تسبقُهم إلى الورقةِ، وتكتبُ نفسَها بنفسِها. هم لا يبحثون عن الفكرةِ، بل الفكرةُ تأتي إليهم كالنورِ الذي يملأُ الغرفةَ فجأةً. في فلسفةِ الوجودِ، هؤلاء هم "المتناغمون مع اللحظة"، أولئك الذين يعيشون في حالةِ انسجامٍ مع طاقَةِ الخلقِ الكونيّة، فلا يعوقُهم شكٌّ، ولا يشغلُهم توقُّعُ النتيجةِ. هم ليسوا أفضلَ من غيرِهم، لكنّهم الأكثرُ جرأةً على البدء.

 

أمّا الفئةُ الثانية: فهم "صُنّاعُ الأفكارِ في مختبرِ التأمّل". يقفون على شاطئِ الخيالِ، يرمون بأفكارٍ كالحجارةِ في بركةٍ ساكنةٍ، ينتظرون الأمواجَ والخواتيم. يرفضون الفكرةَ الأولى، ويعيدون صياغةَ الثانيةِ، ويقلّبون الثالثةَ على وجوهِها وأطرافها، حتى تستقرَّ في النهايةِ على فكرةٍ ترضيهم. هم لا يخافون من الضياعِ في متاهاتِ التفكيرِ، بل يرون في كلِّ فكرةٍ مرفوضةٍ درجةً على سُلّمِ الوصولِ. في هذه العمليّةِ من الغربلةِ والاختيارِ تتجلى فلسفةُ الجَوهر: ليست الفكرةُ الأسرعُ هي الأعمقُ، وليست الأكثرُ ظهورًا هي الأصدقُ. قد يكون الانتظارُ جزءًا من الإبداعِ، والتأجيلُ خطوةً نحو الكمالِ.

 

والفئةُ الثالثة: أولئك الذين يبدؤون من حيث انتهى الآخرون. لا يخجلون من أن يستلهموا، أو أن يبنوا على أنقاضِ أفكارٍ سبقتْهم. هم لا يسرقون، بل يزرعون بذورًا أُعطيتْ لهم في تربةٍ جديدةٍ، فينمو منها ما قد يفوقُ الأصلَ جمالًا وقوّةً. في هذا الفعلِ فلسفةٌ عميقةٌ عن التواصلِ الإنسانيّ: فما من فكرةٍ تخلو من أثرِ غيرِها، وما من إبداعٍ ليس محصلةَ حوارٍ خفيٍّ بين العقولِ. هؤلاء لا ينقصُهم الأصالةُ، بل هم يمارسونها بطريقةٍ مختلفةٍ: فهم يقرأون كتابَ الإنسانيّةِ الجماعيّ، ثمّ يكتبون فصلًا جديدًا بلغتهم الخاصّة.

 

لكنّ الأهمَّ من تصنيفِ العقولِ في بداياتِ الخلقِ، هو ما تُحدثُهُ الفكرةُ من رجّةٍ في عالمِ الواقعِ. فالأفكارُ التي لا تجدُ طريقَها إلى الفعلِ هي أطيافٌ عابرةٌ، لا تختلفُ عمّا لم يُولَدْ بعد. إنّ النورَ الحقيقيَّ للفكرةِ لا يتجلى في لحظةِ الإدراكِ، بل في شجاعةِ ترجمتِها إلى إنجازٍ يلامسُ حياةَ الناسِ، لأنّ القيمةَ الحقيقيةَ لأيِّ إبداعٍ تقاسُ بمدى تأثيرِهِ في المشهدِ الكونيّ، لا بجمالِ تكوينِهِ داخلَ العقلِ الفرديِّ.

 

هذه الأقسامُ الثلاثةُ ليست حدودًا فاصلةً بين العقولِ، بل هي تجلّياتٌ لطبيعةِ الإنسانِ في تعامله مع عالمِ الأفكارِ، ذلك العالمِ الذي لا يقلُّ تعقيدًا عن العالمِ الماديّ. فكما في الطبيعةِ بذورٌ تنبتُ بسرعةٍ، وأخرى تحتاجُ إلى صبرٍ، وثالثةٌ تنمو متشابكةً مع غيرِها، كذلك العقلُ البشريُّ في تعامله مع ملكةِ الإبداعِ.

 

وفي النهايةِ، ليستِ الفكرةُ مجردَ نتاجِ فردٍ يعيشُ في عزلةٍ، بل هي ابنةُ لحظةٍ وجهدٍ وإرثٍ مشتركٍ. والفارقُ بين مبدعٍ وآخرَ ليس في "ماذا" يقدّم، بل في "كيف" يمنحُ جزءًا من روحِهِ لما يقدّم. وكما قال أحد الحكماء: "الإبداعُ ليس موهبةً فحسب، بل هو شجاعةُ البدايةِ، وصبرُ الانتظارِ، وتواضعُ الاقتباسِ". لذلك، فلتُحسنْ اختيارَ دربِكَ نحو فكرتِكَ، ولتَعلمْ أنّ كلَّ إبداعٍ هو بصمةٌ خالِدةٌ على جبينِ الوجودِ. وهذه الشجاعةُ والصبرُ والتواضعُ... هي وجوهٌ مختلفة لروحِ الإنسانِ وهو يتركُ شيئًا من ذاتِه يتلألأُ كنجمةٍ في سماءِ الفكرةِ، قبل أن يغيبَ في صمتِ العدمِ، وكل فكرة هي محاولة خفية لأن نترك أثرًا في الغياب.

 

 

جهاد غريب

نوفمبر 2025

 

الاعتزال: عودة الإنسان إلى ذاته

  الاعتزال: عودة الإنسان إلى ذاته   "حين يصبح الصمتُ مقاومة، والوحدةُ خلاصًا كريمًا"     بينما يظلّ الاعتزال، في العقلية...