الاثنين، 3 نوفمبر 2025

المرأة المنفية في قلب الحضور

 

المرأة المنفية في قلب الحضور

 

"عن الخذلان الصامت الذي لا يُرى ولا يُقال"

 



 

ليست الخيانةُ كلُّها طعناتٍ غادرة،

وليست كلُّ قطيعةٍ صاخبة.

 

فبعضُ الخيانات تسير على أطراف أصابعها،

تختبئ في تفاصيل الحياة اليومية،

وتتسلّل إلى الروح مثل ظلٍّ خفيٍّ لا يُكتشف إلا متأخرًا.

 

إنه ذلك الغياب حين تحتاج المرأة إلى حضورٍ قريبٍ أو صديقٍ يشهد لها،

وذلك الصمت في اللحظة التي يتطلّب فيها الموقف كلمةً واحدة.

 

المرأة المنفيّة ليست من ترحل بعيدًا،

بل تلك التي تبقى في قلب المشهد

لكنها تُعامَل كأنها شبحٌ لا يُرى.

 

تمنح، وتضحي، وتحتمل،

ثم تُمحى من الذاكرة العامة،

كأن وجودها خطأٌ يجب تصحيحه،

أو عارٌ ينبغي إخفاؤه.

 

حين تختار المرأة أن تروي جرحها،

أن تكشف ما وراء صمتها،

لا تطلب معجزة،

بل شاهدًا صادقًا واحدًا يهمس:

"أنا أصدقكِ... أنا معكِ".

 

لكن حين يتحوّل الداعم إلى متفرّجٍ صامت،

يصبح صمته خيانةً ناعمة، لا تُسمّى ولا تُدان.

 

فالخذلان الحقيقي لا يأتي من الأعداء،

بل من الحياد غير المبرَّر،

من أولئك الذين يقفون على الهامش

بينما يتهاوى قلبك في المنتصف.

 

في تلك اللحظة تبدأ أولى درجات النفي،

ليس بالنسيان، بل بتجاهل النداء.

 

ثم تأتي مرحلة النجاة.

حين تنهضين من تحت الركام،

تحاولين لملمة شتاتكِ بشجاعةٍ نادرة،

فتنتظرين أن تمتد نحوك الأيدي،

أن تراك العيون بإعجابٍ وامتنان،

لكنّك تصطدمين بنظراتٍ تُذكّركِ بماضيكِ بدل أن تحتفي بحاضركِ.

 

يُذكّرونكِ بأنكِ "ضحيةٌ سابقة"،

يطالبونكِ بالبقاء في دور الضعيفة

حتى لا تُربكي توازن المشهد الذي ارتاحوا إليه.

 

نجاتك تُحرجهم،

لأن قيامكِ يُظهر تخاذلهم.

 

فيحاولون إعادتكِ إلى قفص الصمت،

لأن نسختكِ القوية لا تناسب الصورة التي رسموها لكِ.

 

ولا يقتصر النفي على لحظات الانكسار،

بل يمتد إلى تفاصيل الحضور اليومي.

 

المرأة المنفيّة هي التي تُوجَد ولا تُرى،

تُعطي في الخفاء وتُنسى في العلن.

 

هي الكتف في العتمة،

والظل في المشهد،

والصوت الذي لا يُذكر بعد انطفاء الحاجة إليه.

 

تُستدعى حين يحتاجون إلى حنانها،

لكنهم يتنكرون لها حين تحتاج إلى مساحةٍ في الضوء.

 

يُقدّمون لها وعودًا خلف الأبواب،

ثم ينكرونها تحت الشمس.

 

فيتحوّل عطاؤها إلى تهمة،

وصدقها إلى عبء،

ووجودها إلى خطرٍ يجب إسكاتُه.

 

النفي إذن ليس مكانًا تُرمى فيه المرأة،

بل أسلوب معاملةٍ يقتلها ببطء.

 

أن تعيش وسط الناس وتشعر بالوحدة،

أن تتكلم ولا يُسمع صوتك،

أن تُحبّ ويخجل الآخر من حبّك،

أن تنجو ويُعاقبوك لأنك لم تَغْرقي معهم.

 

المرأة المنفيّة لم تختفِ،

بل أُخفيت قسرًا من الذاكرة الجماعية.

 

والمجتمع الذي يُقصي من أحبّ

لأنه لا يناسب صورته المثالية،

هو مجتمعٌ لم يتعلّم بعد معنى الحب،

ولا معنى الشراكة الإنسانية.

 

فالحبّ الحقيقي لا يخجل من محبوبه،

لا يخبّئه في الظل،

ولا ينكر فضله.

 

الحبّ الناضج يقول للعالم:

"هذه قصّة إنسانٍ،

هذا اختياري،

وهذا الإنسان يستحق أن يُرى."

 

المرأة المنفيّة لا تبحث عن عرشٍ،

ولا عن تصفيقٍ،

بل عن اعترافٍ بسيطٍ بأنها كانت هنا.

 

وحين يُقال لها أخيرًا:

"نراكِ"...

عندها فقط ينتهي النفي،

ويبدأ الوجود الحقيقي.

 

جهاد غريب

نوفمبر 2025

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاعتزال: عودة الإنسان إلى ذاته

  الاعتزال: عودة الإنسان إلى ذاته   "حين يصبح الصمتُ مقاومة، والوحدةُ خلاصًا كريمًا"     بينما يظلّ الاعتزال، في العقلية...