السبت، 5 أبريل 2025

الأدواتُ.. قصائدُ الصامتين!


الأدواتُ.. قصائدُ الصامتين!

في البداية، وقبل أن تتحوّل الكلمات إلى أصوات، وقبل أن تترسخ في الأذهان، هناك لحظةٌ حرجةٌ يولد فيها الصمت!، لحظةٌ تشعر فيها بأنّ اللغة تقف عاجزة، كأنّما الحروف تتآكل على شفتيك، والجمل تنهار قبل أن تكتمل!، هنا، في هذا الفراغ الذي يخلقه العجز عن التعبير، يبرز السؤال الأكبر: ماذا تفعل عندما تفقد الكلمات؟ هل تظلّ حبيس صمتك، أم تبحث عن لغةٍ أخرى، لغةٍ لا تحتاج إلى ألفاظٍ لتُسمع؟

إنّ التاريخ لا يكتبه أولئك الذين توقفوا عند حدود الكلام، بل أولئك الذين حوّلوا صمتهم إلى فعل، ويأسهم إلى حركة، فالكلمات، وإن بلغت من البلاغة مبلغها، تبقى عاجزةً إذا لم تترافق مع إرادةٍ تُحوّلها إلى واقع!، فكم من خطيبٍ مُفوّهٍ وقف يلقي خطاباته العظيمة، بينما العالم من حوله ينهار؟ وكم من شخصٍ بسيطٍ، لا يُجيد التعبير، لكنّ يديه تقومان بما تعجز عنه الكلمات؟ التاريخ لا يذكر الذين همسوا بالحقّ ثم اختبأوا، بل يذكر أولئك الذين حوّلوا صمتهم إلى مطرقة، وصرخاتهم إلى جسر!.

يقولون إن الكلمات أجنحة، لكن ماذا لو تشقّقت الأجنحة قبل الإقلاع؟ ماذا لو وقفتَ على حافة القول، فوجدت لسانك يُشبه حجرًا باردًا، وكلماتك تذوب مثل ثلجٍ تحت شمس اليأس؟  هنا يأتي السؤال الأكبر:  هل نبقى سجناء الصمت، أم نتحوّل إلى بنّائين للفعل؟

الأدوات ليست مجرد أشياء ماديّة!، معاول وريشات، بل هي تعبيرٌ عن الإرادة، وشكلٌ آخر من أشكال الكلام، فالقلم الذي يكتب الحقيقة عندما يُخافُ قولها هو لسانٌ جديد، والفرشاة التي ترسم الألم أو الأمل على لوحةٍ صامتةٍ هي صرخةٌ لا تحتاج إلى صوت، وحتى الحجر الذي يُلقى في بحيرة الظلم، فيُحدث دوائرَ تتسع وتتسع، هو كلمةٌ تُقال دون حروف!، الفرق بين الكلمات والأدوات هو أنّ الأولى قد تُنسى، بينما الثانية تترك أثرًا ملموسًا.

باختصار!، الأدوات أحلامٌ متجسّدة، وقلمٌ يكتب سطور الثورة حين تخرس الأصوات، وفرشاةٌ ترسمُ عالمًا جديدًا على جدران الواقع الباهت، والأهم من الأدوات نفسها هو الجرأة التي تحملها، فكم من أداةٍ نامت في أدراج الخوف، وكم من فكرةٍ تحوّلت إلى غبارٍ لأن أحدًا لم يمدّ يده ليُمسكها!

لكنّ الأدوات وحدها لا تكفي، إن لم تكن مدعومةً بشجاعة القلب، فكم من أداةٍ ظلّت حبيسة الأدراج، لأنّ أحدًا لم يجرؤ على استخدامها؟ وكم من فكرةٍ عظيمةٍ ماتت قبل أن تولد، لأنّ صاحبها فضّل الكلام على الفعل؟ الأدوات تحتاج إلى أيدي تحملها، وإلى قلوبٍ تؤمن بأنّ التغيير ممكن، حتى عندما تبدو الكلمات غير كافية.

التغيير.. لغة من لا يملكون كلمات، اللغة الصامتة التي يتكلّم بها من حُرموا من الكلمات!، وهو الكلمة التي لم تُنطق، لكنّها انفجرت نورًا!

انظر إلى أولئك الذين غيّروا العالم دون أن يحتاجوا إلى خطبٍ مُلهِمة: غاندي الذي حوّل الملح إلى رمزٍ للحرية، لم يخطب طويلًا عن الحرية، بل غزل خيوطًا من الملح وقال: "هذه أرضنا"، وفان جوخ الذي جعل من ألمه فنًّا يضيء العالم، لم يصرخ بألمه، بل أضاء الكون بلوحاتٍ مثل "ليلة النجوم" ليُظهر جنونه الجميل، وأولئك المجهولون الذين وقفوا في الساحات، ليس لأنّهم يمتلكون الكلمات الأكثر بلاغةً، بل لأنّهم امتلكوا الشجاعة الأكثر نقاءً!

هؤلاء لم يقولوا: "كان يجب أن نفعل كذا"، بل فعلوا، ولم ينتظروا الكلمات المثالية، بل صنعوا التغيير بأيديهم، وعلمونا أن الفعل قصيدةٌ لا تحتاج إلى كلمات.

إذا تعثّر لسانك، فاجعل خطواتك كلمات، وإذا جفّ حبرك، فاجعل عرقك سطورًا!، أما إذا عجز لسانك عن الكلام، فلا تدع هذا العجز يقعد بك، اكتب قصيدتك ليس بالحبر، بل بالحركة!، واجعل خطواتك كلمات، وأفعالك بيتًا من الشعر لا يُنسى، لأنّ أعظم الكلام هو ذلك الذي لا يُقال، بل يُعاش، وأعظم الكلام هو ذلك الذي يترك أثرًا لا يُمحى، ليس في الأذهان، بل في الواقع.

في النهاية، العالم لا يتذكّر من قال أكثر، بل يتذكّر من فعل أفضل!، اكتبْ بصمتك، واصرخْ بفعلِك، فالعالم لا يُغيّره من يقول: "كان يجب أن.."، بل من يرفع يده ويقول: "سأفعل"، وتذكّر دائمًا: أعظم الكلام هو ذلك الذي يُكتَب بقدمين تمشيان، ويدين تبنيان، وقلبٍ لا يعرف الاستسلام!، فعندما تعجز الكلمات، فأنت لا تزال تملك الكثير لتقوله!، فقط غيّر الأدوات، وستجد أنّ الصمت نفسه يمكن أن يصير أغنية.

جهاد غريب
أبريل 2025

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصيدة تمشي على الأرض!

  قصيدة تمشي على الأرض! ماذا لو كانت الحياة قصيدةً لا تُقرأ.. بل تُحيا؟! ليست كل الأبيات تُكتب بالحبر، ثمة أقدام تنسجها على رصيف الزمن، وخط...