الخميس، 30 يناير 2025

 

الأمل: شمس لا تغيب وقوة تصنع المعجزات!

 

في زحمة الأيام، حين تضيق بنا السبل وتشتد المحن، يبقى الأمل هو النور الخافت الذي يلمع في الأفق، كنجمة وحيدة ترفض أن تنطفئ في سماء مظلمة، هو اللحن الخالد الذي تعزفه أرواحنا حين تتقاذفها العواصف، وهو الشجرة التي تتجذر في أعماقنا رغم قسوة الجفاف، وقد يبدو الأمل أحيانًا كحلم بعيد، كسراب في صحراء قاحلة، لكنه في الحقيقة أقرب إلينا مما نتصور، ينبض في صدورنا، ويمنحنا القوة للمضي قدمًا مهما كانت العثرات.

 

يقول محمود درويش: "ونحن نحبُّ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلا"، وهذا السبيل ما هو إلا الأمل الذي يجعلنا نتمسك بالحياة رغم كل ما قد يواجهنا من آلام وخيبات، فحتى في أشد اللحظات قتامة، هناك شعاع خافت ينبعث من أعماق أرواحنا، يخبرنا أن الغد قد يحمل لنا ما لم نحلم به يومًا، وأن شتاء العمر مهما طال، فإن الربيع آتٍ لا محالة.

 

يحمل التاريخ بين طياته قصصًا عظيمة عن أناس تشبثوا بالأمل رغم كل الصعاب، فكان لهم النصر والنجاح. نيلسون مانديلا، الذي قضى عقودًا في السجن، لم يفقد الأمل يومًا في أن يرى بلاده تنعم بالحرية، وكان يقول: "قد يكون هناك أيام لا نستطيع فيها التنبؤ بالمستقبل، ولكن نستطيع دائمًا خلق المستقبل".

أما هيلين كيلر، التي حُرمت من البصر والسمع، فقد رأت في الأمل شعاعًا يقودها للحياة، قائلة: "الأمل هو تلك الشعلة الصغيرة التي تطرد الظلام من حياتنا".

 

الأمل ليس مجرد شعور عابر، بل هو القوة التي تحرك عجلة الحياة، وهو الحافز الذي يجعلنا ننهض بعد كل سقوط، ونواصل المسير حتى عندما يبدو الطريق وعرًا وشاقًا، ففي كل مجالات الحياة، لا يمكن تحقيق النجاح دون هذا الوقود السحري.

في العمل، يظل الأمل هو الدافع الذي يجعل الموظف يبذل جهده، والمبدع يستمر في ابتكاراته رغم الإخفاقات، وإن من يحمل الأمل في قلبه لا يرضى إلا بالقمم، ولا يستكين لليأس مهما كانت العثرات.

 

وفي العلاقات الإنسانية، لا يمكن لأي حب أو صداقة أن تستمر دون الأمل، هو الذي يجعلنا نغفر الزلات، ونتجاوز الخلافات، ونؤمن بأن الغد يحمل لنا فرصًا جديدة للصلح والمودة، فكم من علاقة كانت على حافة الانهيار، لكن كلمة طيبة مليئة بالأمل أعادت بناءها من جديد! يقول جبران خليل جبران: "لا تجعلوا من اليأس نهاية، فاليأس طريقٌ مظلم، والأمل ضوءٌ يسكن في قلوبنا".

 

أما في مواجهة المرض، فالأمل ليس مجرد ترف، بل هو دواء لا تراه العيون، لكنه يسري في العروق، ويمنح الجسد القوة لمقاومة الألم!، كم من مريض قيل له إن الأمل مفقود، لكنه رفض أن يستسلم، فكان تفاؤله سبيلًا للشفاء! فكما تقول الحكمة: "تفاؤلوا بالخير تجدوه"، فإن إيمان الإنسان بإمكانية التعافي قد يكون في حد ذاته جزءًا من العلاج.

ولكن ماذا عن أولئك الذين فقدوا الأمل؟ كيف يمكنهم استعادته؟ لا أحد محصن ضد لحظات اليأس، فالحياة قد تكون قاسية أحيانًا، لكنها لا تسلبنا كل شيء، حتى عندما تبدو السماء ملبدة بالغيوم، يكفي أن نرفع رؤوسنا لنرى أن خلف الغيوم هناك شمس لا تزال تشرق.

في مثل ياباني يُقال: "إذا وقعتَ سبع مرات، فانهض ثمانية"، وهذا هو جوهر الأمل؛ أن ننهض بعد كل سقوط، وأن نبحث عن النور حتى في أحلك الدروب.

 

الأمل ليس مجرد شعور داخلي، بل هو قوة يجب أن نغذيها ونرعاها، ويمكننا أن ننميه من خلال الامتنان لكل النعم التي تحيط بنا، فكل لحظة نقضيها مع أحبائنا، وكل ابتسامة نرسمها على وجه أحدهم، هي سبب كافٍ لنتمسك بالحياة، كما أن البحث عن الدعم الاجتماعي والنفسي يساعد في إعادة بناء الأمل عندما يتلاشى. يقال في المثل الشعبي: "من جاور السعيد يسعد"، فإن مرافقة الإيجابيين تعزز من قدرتنا على التفاؤل.

 

الشباب، بروحهم المتوقدة وعزيمتهم الصلبة، هم من يستطيعون نشر الأمل في المجتمع، وهم الذين يحملون شعلة التغيير، ويبثون الحماس في النفوس، ويجعلوننا نؤمن بأن المستقبل يمكن أن يكون أفضل.

قال الشاعر أحمد شوقي: "وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا"، فإن الأمل يجب أن يقترن بالعمل، وإلا ظل مجرد حلم عابر.

 

إن الأمل لا يعني أن ننتظر الفرج دون سعي، بل هو القوة التي تدفعنا لنصنع التغيير بأيدينا، وأن ننهض من بين الركام، ونرسم في الأفق لوحة جديدة بألوان الفرح والطموح، فالأمل ليس تجاهلًا للواقع، لكنه رؤية مختلفة له، إنه اليقين بأن الأيام القادمة تخبئ لنا ما لم نتوقعه، وأن الفجر سيأتي حتمًا بعد الليل، مهما طال ظلامه.

 

فلنحمل الأمل في قلوبنا كما تحمل الأشجار براعمها في الشتاء، واثقة أن الربيع سيأتي مهما تأخر، ولنؤمن بأننا قادرون على تجاوز الألم، وأن لنا في الحياة نصيبًا من الفرح، حتى وإن تأخر موعده. يقول المثل الإسباني: "بعد العاصفة يأتي الهدوء"، فلنتشبث بهذا الرجاء، ولنمضِ في دروب الحياة بخطى ثابتة، متسلحين بالأمل، فهو وحده القادر على تحويل أحلامنا إلى حقيقة.

 

جهاد غريب

يناير 2025

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبوابُ الوجود.. ومفاتيحُ الروح التي تَضيعُ بين النسيانِ والحكمة!

  أبوابُ الوجود.. ومفاتيحُ الروح التي تَضيعُ بين النسيانِ والحكمة! الحياةُ سلسلةٌ لا تنتهي من الأبواب؛ بعضُها يُفتحُ على مَراتِفَ من الضوء، ...