الأحلام... رسائل القلب التي لا تكذب!
الأحلام
ليست مجرد مشاهد عابرة تتلاشى مع ضوء الصباح، بل رسائل خفية تُرسلها أرواحنا إلى
وعينا، وتذكّرنا بأن ما نشعر به في أعماقنا لا يموت، بل يتجدد، ويتخذ شكل حلم
ليمنحنا بصيصاً من السكينة، أو ليوقظ فينا رغبة دفينة في تحقيق ما تعذّر علينا
بالأمس، فالأحلام ليست انفصالاً عن الواقع، بل امتدادٌ له، بلغة أكثر شفافية، حيث
لا قيود تمنع المشاعر من الانسياب، ولا حواجز تكبح الأشواق، وكأن الروح في عالم
الأحلام تجد فسحتها الأرحب، حيث تبوح بما يعجز عنه اللسان، وتنصت لصدى القلب حين
يصمت الجميع.
الأحلام
كنسائم رقيقة! تهب على أرواحنا، تلامس أوتار القلب برفق، فتستحضر لحظات نودّ لو
عشناها واقعاً، أو نعيد رسمها بفرح على ملامح من نحب، وكأنها نافذة تطل على عالم آخر،
تعكس مشاعرنا الأعمق، وتجسّد التجارب التي ربما لم تسنح لنا الفرصة! لنعيشها في
يقظتنا، لكنها تزورنا حين تغفو أعيننا، وتأخذنا إلى عالمٍ
خفيٍّ من الصور والمشاعر، حيث لا يخضع الوجدان لقوانين الواقع، فتلامس فينا
نبض الحياة، وتهمس لنا بأن الأمل لا يزال حياً، مهما عبثت بنا الأقدار، وكأن
الأحلام تمتلك قدرة سحرية على رتق ما مزقته الأيام، وعلى جمع شتات الحنين الذي
تفرّق بين زوايا الذاكرة، فنجد فيها فرصةً ثانيةً لعناق من رحلوا، أو للبوح بكلمات
لم تسعفنا اللحظات لنقولها، أو حتى لاستعادة مشاهد كان من المفترض أن تكون جزءاً
من واقعنا، لكنها بقيت حبيسة الأماني.
وسط
زحام الأيام وضجيج الحياة، قد نغفل عن جوهر العلاقات الإنسانية، فتأتينا الأحلام
كرسائل مغلّفة بالضياء، وتذكّرنا بأن اللطف هو لغة القلوب، وأن كلمة طيبة، أو لمسة
حنان قد تترك أثراً أبقى من الزمن نفسه، فكل حلم جميل نحمله في طيات أرواحنا،
يذكّرنا بأن العطاء ليس بالضرورة مادّة ملموسة، بل يكفي أن نهدي من نحبّ مشاعر
صادقة، أو أن نخبرهم بأننا رأيناهم في أحلامنا، لنجعل قلوبهم تزهر بفرح عامر!، فالأحلام
ليست مجرد صور عابرة، بل هي بذور من الأمل، تُزهر حين نسقيها بالحب، وتمنحنا
القدرة على الإحساس بأعمق ما فينا من إنسانية.
حين
تتجلى الأحلام، نشعر بنداء داخلي يحثنا على الخير، ويدفعنا إلى أن نكون أكثر سخاءً
في مشاعرنا، وأكثر حرصاً على إسعاد من حولنا، وكأنها مرآة صافية تعكس نقاء أرواحنا
حين نتركها تتحدث بصدق، فهي ليست محض أوهامٍ أو خيالاتٍ عابرة، بل انعكاسٌ حقيقيٌ
لما نحمله من قيمٍ ساميةٍ ومبادئ راسخة، ترسّخت فينا منذ الطفولة، بين تفاصيل
الأماكن التي نشأنا فيها، وبين حكايات الأمهات، ونصائح الآباء التي استقرت عميقاً
في وجداننا.
وحين تغمض أعيننا، لا يكون الحلم مجرد زائر عابر، بل رسالة خفية تمتد
جذورها إلى أعماق وجداننا، توقظ فينا ذكريات دافئة، وتعيد إلينا ما حسبناه قد
اندثر، ففي كل حلم، تنبض القيم الأصيلة التي نشأنا عليها، ويسري الدفء الذي غرسه
الأحبة في أرواحنا، وكأن الأحلام تؤكد لنا أن من نقشوا أثرهم في قلوبنا لا يرحلون
حقاً، بل يواصلون العيش فينا، مهما باعدت بيننا الأيام.
إن
الرسالة الإنسانية التي تحملها الأحلام تتجاوز حدود الخيال، فهي تذكّرنا بأن كل
شخص حولنا يستحق التقدير، وأننا جميعاً بحاجة إلى لمسة دفء في لحظات ضعفنا. قال
جبران خليل جبران: "من لا يملك حباً، لن يعرف معنى الحلم".
الأحلام
ليست ظلالاً عابرة تذوب مع اليقظة، بل هي توقيع الروح على دفتر الحياة، ودعوة غير
منطوقة لنكون أكثر رحمة، وأكثر قرباً من قلوب الآخرين، وأكثر وعياً بأن سعادتنا لا
تكتمل! إلا حين نكون سبباً في سعادة من نحب.
حين
نحلم، فإننا نغترف من نبع الذاكرة، نستعيد المواقف التي شكّلتنا، والأشخاص الذين
منحونا معنىً للحياة، ونتذكر أن العاطفة هي ما يربطنا ببعضنا البعض في عالمٍ يسير
سريعاً نحو الاغتراب، فالأحلام تؤكد لنا أن الإنسان ليس كائناً منفصلاً عن
الآخرين، بل هو جزء من نسيج يمتد ويتشابك، يتأثر ويؤثر، يعطي ويأخذ، وحين يعي هذه
الحقيقة، يدرك أن السعادة الحقيقية لا تكمن في امتلاك الأشياء، بل في منحها، تماماً
كما قال ألبرت شفايتزر: "أجمل ما في الحياة أن تجعل شخصاً ما يبتسم."
إن
الأحلام تدعونا إلى أن نكون أكثر انتباهاً لعلاقاتنا، وأن نمنحها من وقتنا
ورعايتنا، وأن نزرعها باللطف ونرويها بالاهتمام، لأنها وحدها القادرة على أن تجعل
الحياة أكثر احتمالاً، ففي لحظة صدق بيننا وبين أنفسنا، ندرك أن الأحلام ليست مجرد
ظلالٍ ليلية، بل رسائلٌ تنبع من أعماق أرواحنا، وتدفعنا لأن نكون أكثر إنسانية،
لأن الحب في النهاية هو اللغة الوحيدة التي يفهمها الجميع، والحلم هو صوته الهامس،
الذي يذكّرنا دوماً بأن العطاء هو أثمن ما نملك، وأننا، حين نمنح السعادة، نمتلكها
حقاً.
جهاد غريب
يناير 2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق