حين يضيء الأفق بعد العتمة
رسالة في الصبر والفرج
في زحام الأيام الثقيلة، حيثُ تتكدّس الهموم في الصدر كما تتكدّس الغيوم فوق سماءٍ ضاقت عن مطرها، نشعرُ كأنّ الروح تحاصرها الجدران من كل جانب، وأنّ الانتظار لم يعد سوى امتحانٍ يطيل السهر ويثقل الخطوات. لحظة صامتة يختلط فيها الحزن بالرجاء، ويبدو الزمن متجمّدًا، كأنه يتآمر مع الوجع ليزيد وطأته. وفي وسط هذا الثقل، يُسمع صوتٌ داخلي يتهامس: متى ينفرج هذا القيد؟ وأي نافذة يمكن أن تُفتح بعد كل هذا الانسداد؟
لكن يا قلب.. تمهّل. فما الضيق إلا مقدّمة رحبة لرحمة الله. هو وحده صاحب الأمر، يؤجّل ليمنح، ويبتلي ليطهّر، ويعلّمنا أن نرفع أعيننا نحوه لا نحو غيره. وما بين ابتلاء وتأخير، يزرع فينا الله بذور الصبر حتى نثمر يقينًا لا تهزّه الرياح. وقد قال في كتابه العزيز: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، فكيف ييأس من علم أن اليُسر يتعانق بالعسر، وأنّ الظلمة لا بدّ أن تمهّد للفجر؟
وإذا أنصتَّ جيدًا، ستلمح العلامات. ابتسامة عابرة تأتي في وقتها كدواء، يدٌ تمتدّ من حيث لا تدري، فكرة صغيرة تضيء طريقًا معتماً، أو حتى نَفَسٌ بارد يمرّ على جمر القلب فيخفّف من حرّه. كلها إشارات، صغيرة لكنها واثقة، تقول لك إنّ الله يُعدّ لك شيئًا أجمل مما تصورت. إنّها البشائر، كنجومٍ تتلألأ في العتمة لتعلن أن الصباح يقترب.
فلا تُعقّد قلبك بالظنون، ولا تسمح لليأس أن يبني له بيتًا في صدرك. أحسن الظن بربّك، وتذكّر أنّ الطير ينام وفي جوفه رزق الغد، وهو لا يدري من أين يأتيه، لكنه مطمئن للرازق الكريم. تفاءل ولو بدا الحائط سدًا منيعًا، فكم من ريح دفعت جدارًا، وكم من يد فتحت نافذة للضوء حين حسبنا أن كل شيء انتهى.
وحين تبدأ ملامح الفرج تتشكّل، وتأتي الأيام القادمة محمّلة ببشائر لا تُخطئها العين، كأنّها وعدٌ من السماء بأنّ كل تأخير كان إعدادًا، وكل ضيق كان تمهيدًا، وكل دمعة كانت تسقي بذور الفرح القادم. الديون التي أثقلت القلب، والمخاوف التي سكنت الصدر، كلها ستذوب في نور الفرج حين يأذن الله، لا حين نُخطّط أو نُقدّر. ألم أخبرك أن لله في كل شيء حكمة؟ في كل تأجيل، درسٌ في التوكل. وفي كل ابتلاء، تطهيرٌ للنية. وفي كل عثرة، دعوةٌ للعودة إليه. فلا تظن أن الله غافل عنك، ولا تظن أن تأخر الفرج يعني نسيانًا. إنّه يُدبّر، يُمهّد، يُربّي فيك يقينًا لا يُقاس بالأيام، بل يُقاس بالثقة التي تنمو في قلبك رغم كل شيء.
كن على تفاؤل، لا تصعّبها على نفسك. فالأمور لا تُحلّ بالقلق، بل بالثقة. ولا تُفتح الأبواب بالجزع، بل بالدعاء. ولا تُزهر الحياة باليأس، بل بالأمل الذي لا يخبو. انظر حولك، ستجد إشارات لا تُحصى: شخصٌ يسأل عنك فجأة، فكرةٌ تطرق بابك دون موعد، راحةٌ في قلبك لا تفسير لها.. كلها رسائل تقول لك: "اقترب الفرج، فاثبت."
وفي لحظةٍ ما، ستدرك أن كل ما مرّ بك لم يكن عبثًا. وأنّك كنت تُصاغ من جديد، تُنقّى، تُهيّأ لفرحٍ يليق بصبرك. وأنّ الله، الذي لم يتركك في أشدّ لحظاتك، لن يتخلى عنك حين يزهر الطريق. فامضِ يا قلب، واثقًا مطمئنًا. واذكر دائمًا: أن الله لا يُخلف وعده، وأنّ الفرج حين يأتي، يُنسيك كل ما قبله.
وفي
الختام، أوجّهها لنفسي قبلك: اطمئن. فما بعد الضيق إلا سعة، وما بعد الصبر إلا فرح
يليق بصدق الدعاء. القادم أجمل بإذن الله، والنور الذي تبحث عنه بدأ يلوح في الأفق،
فلا تنكسر. كن قويًا بإيمانك، رقيقًا بانتظارك، جميلًا بثقتك. وارفع دعاءك خاشعًا:
اللهم اجعل فرجك القريب أجمل مما تمنينا، وأوسع مما تصوّرنا، وألطف مما نرجو.
جهاد
غريب
سبتمبر
2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق