لستُ أبحث عمّن يفتح الباب... بل سأكون الباب ذاته!
لا أقفُ منتظرًا وقع خطوات أحدٍ قادمٍ ليفتح لي طريقًا. قناعتي هي أن أكون أنا المعبر، أن أكون نقطة الوصل والانطلاق. أن تكون الباب يعني أن تتحكم في فتحِ عوالمك على مصراعيها، أو أن تغلقها لحماية هُويتك من الضوضاء. إنها قوة هادئة، كالجبل، لا تحتاج إلى الصراخ لتُعلن عن وجودها. إنها قرارٌ واعٍ بأن تكون أنت الطريقَ والرحلةَ والمسافرَ، لا مجرد عابرٍ على هامش رحلةِ غيرك.
هذه القوة لم تولد بين ليلة وضحاها، بل هي ابنةُ صمتٍ طويلٍ ومريرٍ أحيانًا. صمتٍ لم يكن فراغًا، بل كان ورشة عمل سرية، حيث تُشحذُ الأفكارُ وتُصقلُ الرؤى. في هذا الصمتِ، تعلّمتُ أن أستمع إلى صوتي الخاصّ الذي لا يشبه سوى صدى أفعالي، وأن أتقبّل ثمن الوضوح: وِحْدَةً مؤقتةً يفهمها فقط من أخذ وقتًا كافيًا ليبني مملكته من الداخل.
نتاجاتي ليست قطعًا أثريةً وجدتها بالصدفة على قارعة طريق غيري. إنها محاصيلُ استزرعُها في تربة تأمّلاتي الشخصية. هي ثمرةُ سنواتٍ من الارتجافاتِ التي لم تكن سوى أسئلتي الخاصّة التي تحوّلت إلى نصوصٍ تمشي على الورق، وأفعالٍ تترجم على أرض الواقع. إنها حصادُ يدي، وحدي. كلُّ فكرةٍ ابنةُ لحظةِ صفاءٍ أو أزمةٍ، وكلُّ ثمرةٍ حلقةٌ في سلسلةٍ متماسكة، كأنها نسيجٌ مُحاكٌ بخيطٍ واحدٍ يربطُ بين ما كنتُ عليه، وما أنا عليه، وما سأكون.
لذا، عندما تغوص في عالمي، ستغوص مباشرةً في صوتي. لن تحتاج إلى "مفتاح استعاري" مستعار من رموز الآخرين لفكّ شفرتي، ولن تُشتتك أسماءٌ من خارج كوني. ما أقدمه يأتيك كاملًا متماسكًا، لأنه نابعٌ من نبعٍ واحد. إنه لا يروي ظمأك بماءٍ مُعلَّبٍ معبأٍ بعلامةٍ تجارية، بل يقدم لك النبعَ صافيًا عذبًا، لتشرب منه مباشرةً وتشعر بطعمه الخاص. كلُّ عملٍ جديدٍ هو امتدادٌ طبيعيٌ لتلك النبرة الشخصية التي تسري في كل ما أقدمه، كالنهر الذي يبحث عن مجراه الطبيعي، فيحفر مساره بعمقٍ ويواصل جريانه بثقة، لأنه يعرف أن مصدره لا ينضب.
وإذا سألتني عن منابع ما أنجزت، فلن أجيبك بقائمةٍ من الأسماء أو الشهادات. سأقولُ لك: إن مصدرها هويّتي ذاتها. إنها طريقةُ تفكيري، وطريقتي في رؤية العالم. إنها المصنعُ نفسه وليس المنتج المؤقت. ما حققته ليس سوى نوافذَ تطلُّ على فضاءٍ عملي وفكري شخصي خالص. إنها الأدلةُ المرئيةُ على عالمٍ غير مرئيٍّ، هو عالمي الداخليّ. إن سألتَ عن سرّ تماسكها، فهو أنها بُنيتْ بلُبناتٍ من قناعاتي، وُشّيتْ بِملحِ تجاربي، ورُصّفتْ بإحكامٍ لأنها تحملُ اسمي وحدي، ولهذا فهي تقفُ قويةً، لا لأنها أفضلُ من غيرها، بل لأنها حقيقية.
في النهاية، أنا لا أمنح العالم سيرةً ذاتيةً... أنا أمنحه سيرتي الذاتية. أمنحه نسخةً غير مُزوّرة من وجودي. أمنحه صدقي، وهي هِبتي وإنجازي الأعظم.
جهاد غريب
سبتمبر 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق