الخميس، 14 أغسطس 2025

ميثاق التحرير: حين يكون الفراقُ أرقى أشكالِ الحبِّ!

 

ميثاق التحرير: حين يكون الفراقُ أرقى أشكالِ الحبِّ! 

كان يجب أن تُزهقَ أرواحٌ كي تعيشَ أرواحٌ.  
هكذا يُوقَّعُ أحيانًا "ميثاقُ دمٍ عاطفيّ":  
لا بطلقةٍ، بل بجرحٍ نظيفٍ يُجرحُ بالوعي. 

الفراقُ هنا ليس هزيمةً،  
بل هو جراحةٌ وجوديةٌ تُنقذُ ما تبقّى من جمرةِ الروحِ.  
أن تُطلقَ سراحَ من تحبُّ ليس غيابَ حبٍّ،  
بل هو ذروةُ الحبِّ:  
أن تختارَ الموتَ كي يُولدَ منك إنسانٌ جديدٌ.  

تخيّلْ:  
يداكَ ترسمانِ حدودَ "دولةِ الحبِّ" المنهارةِ،  
لا بالحديدِ والنارِ،  
بل بمدادِ الشجاعةِ. 

"وثيقةُ السلامِ" التي تُبرمُها مع من رحلَ  
تبدأ بتوقيعٍ داخليٍّ:  
"أُعلنُ هدنةً مع نفسي...  
وأرفعُ علمَ الاستسلامِ لِما لا يُغيّر". 

هنا، في محكمةِ الوجدانِ،  
تُبرئُ نفسَكَ من تهمةِ "الفشلِ"،  
وتحكمُ على العلاقةِ بـ "الإعدامِ الرحيم".  

هل رأيتَ كيف يُحرّرُ البستانيُّ الشجرةَ من أغصانِها الميتة؟  
هكذا يكونُ الفراقُ:  
قطعٌ مؤلمٌ لِما كان جزءًا منك،  
لكنّك تعلمُ أنَّ الحياةَ لن تتدفقَ في الجذعِ إلا بهذا البترِ.  
أنت لا تتخلّى عن الحبيبِ،  
بل تُخلّصُه من سجنِ علاقةٍ صارَت قبرًا لاثنينِ.  

أتعرفُ أرقى أنواعِ الحبِّ؟  
أن تقولَ: "اذهبْ"  
بينما كلُّ خلاياك تصرخُ: "ابقَ"...  
لأنّك تُحبُّه أكثرَ من أن تقتله بتمسّكِك.  

في هذا الفراغِ المهيبِ،  
حين تسقطُ الأقنعةُ وتتكشّفُ الأرضُ الخرابُ،  
يبدأ المخاضُ العظيمُ.  
نعم، الفراقُ وِلادةٌ:  
أنتَ تدفع بألمٍ كألمِ الوضعِ ذاتًا كانت مختفيةً وراءَ "نحنُ".  
كلُّ دمعةٍ تُذرفُ... هي ماءٌ يسبقُ خروجَ كيانِك الجديدِ.  
كلُّ صرخةِ حزنٍ... هي آلامُ توسّعِ رحمِ الوجودِ.  

وفي النهايةِ،  
تستلقي منهكًا على سريرِ وحدتِك،  
تحمل بينَ ذراعيك طفلًا غريبًا:  
"أنتَ"...  
التي نسيتها في زحمةِ العطاءِ.  

لا تنظر إلى الوراءِ كأنّك خسرت معركةً.  
الفراقُ النبيلُ هو نصرٌ على أعلى منصةٍ.  
أن تقف في الميدانِ الفارغِ،  
وحدك،  
بلا ضحايا،  
بلا دمارٍ،  
فقط غبارُ معركةٍ هادئةٍ... وجرحٌ نظيفٌ سيندملُ ليصيرَ ندبةً فخريّةً. 

ندبةٌ تقولُ للعالمِ:  
"هنا...  
كانت الحربُ العاطفيّةُ الوحيدةُ  
التي انتهتْ بتحريرِ الأسرى  
لا باستعبادِ الناجينَ".  

فإذا سألك أحدٌ: "كيفَ وقّعتَ وثيقةَ سلامٍ مع قلبِكَ؟"  
أريه ندبتَك...  
واقرأ له بنودَها الخفيةَ:  

البندُ الأولُ: أعتذرُ لنفسي عن سنواتِ المقاومةِ الوهميةِ.  
البندُ الثاني: أُعلنُ نفسي دولةً حرّةً مسؤولةً عن حدودِها.  
البندُ الأخيرُ: أمنحُ ماضينا تأشيرةَ زيارةٍ فقط... لا إقامةٍ.  

لأنّ الحياةَ - في كوزموغرافيا الروحِ -  
لا تعرفُ السجونَ،  
بل تعرفُ التحوّلَ المستمرَّ:  
أمسِ كنا كوكبًا واحدًا...  
اليومَ صرنا مجرّتينِ متجاورتينِ.  
نتبادلُ الجاذبيةَ من بعيدٍ،  
نُضيءُ ظلامَ بعضنا بذكرياتٍ كالنجومِ،  
ونُثبتُ للكونِ أنَّ الفراقَ قد يكونُ  
أعظمَ إثباتٍ للحبِّ...  
حين يكونُ الحبُّ كبيرًا بما يكفي  
ليتحوّلَ إلى سماءٍ تحملُنا جميعًا. 


جهاد غريب 
أغسطس 2025 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خزائن البرق: احتجاجٌ يُضيء قلبَ العتمة!

  خزائن البرق: احتجاجٌ يُضيء قلبَ العتمة!  "احتجاجٌ صامتٌ على الانهيار.. كبرقٍ يخزن نوره في أَعماقِ القشور" في زحمة الفوضى التي ان...