الرفيق.. مرآة الروح وبوصلة المصير!
الحياة ليست طريقًا مستقيمًا، بل نهرٌ يتلوّى بين الجبال، يهدأ حينًا ويعصف حينًا آخر. وفي هذا المسير الطويل، لا يقطع الإنسان الدرب وحيدًا؛ بل يختار رفقاء يتركون على روحه بصماتٍ كالنقوش في جدران الكهوف، لا يمحوها الزمن.
إننا نشبه الورقة البيضاء، تخطّ عليها الصحبة سطورًا من نور أو ظلام، وكما يعلق العطر بالثوب، كذلك تلتقط النفس من أنفاس الجليس عبقًا أو غبارًا، فإما أن تزهر كحديقة في الربيع، أو تذبل كزهرة في قبضة الشتاء.
بين الغيث والعاصف، يظهر الاختيار الفارق. فالصديق الصالح كالمطر الهامس، ينزل على أرض القلب فيوقظ بذور الخير، ويجعل الروح حديقةً مزهرة باليقين. هو النجم الهادئ في ليلٍ حالك، يضيء الطريق دون أن يطلب شكرًا، والسنديانة الوارفة التي تمنح ظلّها في حرّ الصيف، وتثبتك بجذورها حين تهزّك رياح الضعف.
أما رفيق السوء، فهو كالريح العاتية التي لا تترك وراءها إلا الخراب، يوشوش لك كالسراب، يزيّن لك الانحراف حتى تراه خلاصًا، ويجرّك إلى متاهات بلا نهاية، حتى يغدو ظلّه حاجزًا بينك وبين نور الفطرة، فتستيقظ لتجد نفسك في قفص من وهم، وقد أُغلقت أبوابه.
وحين يجيء منعطف العمر، وتتجلّى الحقائق كما يتكشف الصبح، ترى خريطة رحلتك مكتملة أمامك. تدرك حينها أن الرفيق كان خيطًا في نسيج مصيرك، إما أنسج بخيوط من ذهب، أو التفّ حولك بأشواك قاسية. الندم هنا ليس دمعةً تسقط، بل حرقةً تشبه تساقط أوراق الخريف، كل ورقة تحمل ذكرى ضائعة وفرصةً ضاعت مع الريح.
عندها فقط تعرف أن الصداقة ليست لقاءً عابرًا، بل عهدًا مع الروح، وأن الأصدقاء الحقيقيين كالنجوم، قد تغيب عن عينك، لكنهم لا يخذلونك إذا أظلمت الطرق، ويذكّرونك أنك أكبر من خطاياك، وأقوى من شكوكك، وأن في قلبك بئرًا من الخير لا ينضب، إذا وجدت من يعينك على استخراج مائه.
وهكذا، لا تكون الصحبة مجرّد مرافقة، بل اختيارًا وجوديًّا، كما يختار الطائر غصنه، والبحّار مرساه. فليكن رفيقك شراعًا يدفع سفينتك إلى شاطئ الأمان، لا صخرةً تثقلها حتى تغرق.
ففي نهاية المطاف، ليست الحياة إلا قصةً نكتبها بأنفاس من اخترناهم للسير معنا. فاختر من يكون حبرك نورًا لا دخانًا، وحضورًا لا ظلًّا، ومرآةً لا قناعًا… لأن الرفيق هو صدى قلبك، وصوت خطواتك، وما تختاره اليوم قد يصبح غدك بأكمله.
جهاد غريب
أغسطس 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق