الاثنين، 7 يوليو 2025

مرايا الرماد!

 
مرايا الرماد! 

في غرفةِ القلب،
التي صارت قفصًا من زجاجٍ مُهشَّم...
وقفتُ أراقب "كرامتي"،
وهي تتلاشى كصقيعٍ يذوب،
تحت شمسٍ غريبة... لا أعرفها.

لم تكن مجرّد شعور،
بل طائرًا من كريستالٍ رقيق،
في صدره جمرةٌ... تنفث لهبًا باردًا.
كان يرفرف بخفةٍ نقيَّة،
فوق بحيرةٍ من دموعٍ مُتجلِّدة،
كلُّ قطرةٍ... توثِّق زفرةً مختنقة،
علقت بين الاحتراق والانطفاء.

هي لم تكسرني، لا.
بل مرَّت بأنفاسها... على مراياي الداخلية،
فانعكست صورتي... مشوّهة. 

رأيتُ ذاتي تنزلق،
فوق سطحٍ جليديٍّ من نظراتها،
وأنا... أتواطأ مع السقوط.

لأن يديَّ – بغفلةِ القلب الهائم –
كانتا تُلقيان الثلوج تحت قدميّ.
كل لمسةٍ... كانت خدشًا في جدار الكرامة البلّوري،
وكل ابتسامة، جُرحًا وامضًا...
ينزفُ ضوءًا باردًا، لا صوت له.

وفي ليلةٍ صامتة،
كان الألم ينسجُ خيوطه... من ظلي على الجدار.
تحوّلت أحزاني إلى ثعابينَ من دخانٍ أسود،
تلتهم أوراق ذاكرتي الذهبية.

مراكبُ ورقية، من رسائلي،
تغرق في بحرٍ راكدٍ من العتاب الصامت،
تجرفها تياراتٌ من صمتٍ خانق.
وفي الزاويةِ الأكثر عتمة...
رأيتها.
جالسةً على كرسيٍّ من أشواكٍ متشابكة،
تبتسم ابتسامةً... تُذيب الثلج،
وتُشوّه الكريستال.

فجأة،
سقطت دمعةٌ متجمِّدة.
ارتطمت بأرض الغرفة البلّورية.
لم تُصدر رنينًا،
بل... انفلقت.
كبذرةٍ غاضبة.

نبت منها ساقٌ شائكٌ من شرر.
وما إن لامس الشررُ،
جناح الطائر الزجاجي الواهن...
حتى حدث أمرٌ غريب:
المادة التي بدت هشَّة،
لم تنكسر.
بل بدأت... تبتلع الشرر.
وتتحوّل، شيئًا فشيئًا.
لم يعُد طائرًا،
بل لوحًا صغيرًا... صلبًا... مستديرًا،
لا يعكس شيئًا،
إلا شعاعًا صافياً، ينبثق من الأعماق.
بريقٌ لا يخبو،
لأنه ببساطة...
وهجُ الذات حين تتطهّر.

الكرامةُ... لم تتبخّر.
كانت فقط تخلعُ قشرتَها الهشّة،
وتتخلى عن هيئة الضحية القابلة للكسر.

انسحبت الثعابين الدخانية،
خائفةً من ذلك الشعاع الداخلي،
وغاصت المراكب الورقية،
في أعماق النسيان.
أما مقعد الندوب القديمة...
فقد انهار.
وتحوّل إلى رماد،
تذروه أنفاسي الأولى... بعد الخلاص.

ما بدا انكسارًا...
كان طقوسَ تحوُّل.
ثمّ...
حدث النور.
لم أعد أبحث في وجهها عن اعتراف،
ولا في صداها عن تبرير.
لقد انطفأت في داخلي...
الحاجة لأن أُرى من خلال عينيها.
لا انعكاس بعد الآن.
ولا خيال.

الكرامة... لا تصرخ.
لا تُقارن.
لا تردّ الصفعة بالحُجّة.
الكرامة — حين تنجو —
تصبح صمتًا... يُحرج الضجيج،
وضوءًا... لا يطلب تصفيقًا.

أما هي؟
فثابتة في مكانها.
لا تتحرك.
لأن الزمن... لا يحمل من لا يتغيّر.
وأنا؟
في المقابل،
لا أعود إلى الوراء...
لأتفقد الرماد.

إنها ليست معركةً ربحها أحد،
بل يقظة...
نفضت عن القلب رماده،
وتركته أخيرًا... يعكس ذاته،
بنقاءٍ لا يحتاج مرآة،
ولا يطلب شاهدًا.

جهاد غريب 
يوليو 2025 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صوتٌ يصْعدُ من الأعماق!

  صوتٌ يصْعدُ من الأعماق!   سقوطٌ مفاجئٌ إلى القاعِ... حيث تُضاءُ الجروحُ كالمصابيحِ العارية، وتنكشفُ الحقيقةُ... كخنجرٍ معلَّقٍ في الهواء. ...