الاعتذار: لغة الحب التي تفهمها كل القلوب، واستثمار
في العلاقات والبشر!
الاعتذار ليس مجرد كلمات نلفظها، بل
هو فعل يولد من أعماق الروح ويترك أثراً لا يُمحى في النفس!، كالشمس التي تشرق بعد
ليلة مظلمة، إذ يبعث الاعتذار دفئاً وحياة في العلاقات، وينير دروب القلوب التي
أظلمتها لحظة خطأ.
الاعتذار رحلة بحرية تبدأ بإبحار
الشجاعة على أمواج التردد والخوف!، وتمر بمحطات التوبة والندم، وتنتهي برسو
السفينة على شواطئ السلم والوئام، وهو لغة القلب التي تعبّر عن صدق النوايا، وهو
الجسر الذي يربط بين القلوب المتباعدة، فيعيد بناء ما تهدم من الثقة، ويُصلح ما
كُسر من الروابط!، إنه فن يعترف به الأقوياء، أولئك الذين يدركون أن التراجع عن
الزلل ليس ضعفاً، بل ارتقاء بالنفس، وقوة تواجه الحقيقة دون مواربة، وكما يقول
أحدهم: "من يستطيع أن يقول: أنا آسف، يمتلك قلباً عظيماً".
إن الاعتذار كالنهر الذي يجري من
أعالي الجبال، حاملاً معه طمي الندم! ليغسل دنس الخطأ، ويروي أرض العلاقة بماء
الصفح، ولكن في عالمٍ يضج بالكبرياء، هناك من يتجنبون الاعتذار!، وكأنه ثقل لا
يُحتمل، فأولئك الذين تتملكهم الأنا يخشون أن ينتقص الاعتذار من صورتهم، وهم لا
يدركون أن صلابة الروح تكمن في الانحناء أمام الحق.
في الأدب، لطالما كان الاعتذار أداة
درامية تعبر عن صراع داخلي، ومصالحة مع الذات، وفي روايات ديستويفسكي، نجد شخصيات
تعاني من ثقل الضمير، تبحث عن الخلاص عبر الاعتراف والندم، وفي الشعر العربي
الكلاسيكي، كان الاعتذار حلاً لإعادة وصل الود بين الأحبة. يقول المتنبي: "إذا
غامرتَ في شرفٍ مرومِ فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ."
وكما تحمل الرياح كلمات العذر، يحمل
الاعتذار في العلاقات بُعداً إنسانياً عميقاً، حيث يُعيد الثقة بين الأصدقاء،
يُصلح الشرخ بين الأزواج، ويمد جسوراً جديدة في علاقات العمل، والاعتذار في هذه
الحالات ليس فقط بلسم الجراح، بل هو نبعٌ للثقة المتجددة.
وفي الثقافات المختلفة، تتنوع أشكال الاعتذار،
لكن جوهره يبقى واحداً، ففي اليابان، يُعتبر الانحناء وسيلة تعبير عميقة عن الأسف
والندم، بينما في الثقافة الغربية، تأتي الكلمات صريحة ومباشرة، وهذه الفوارق
الثقافية تعكس تنوع الإنسانية، لكنها تلتقي في أن الاعتذار هو مفتاح التسامح
وبداية صفحة جديدة.
الاعتذار كفن يشبه الرسم، يحتاج إلى
اختيار الألوان بعناية، أو كالموسيقى التي تتطلب توقيتاً مناسباً لتصل النغمة إلى
القلب، فالكلمات وحدها لا تكفي. قال أحدهم: "الاعتذار الحقيقي هو تغيير
السلوك وليس مجرد كلمات"، إنه لحظة صدق بينك وبين الآخر، لحظة تخلي عن الأنا
لصالح إنسانيتك.
لندعم ثقافة الاعتذار في مجتمعاتنا
بزرعها في قلوب الصغار، بأن نعلمهم أن الاعتذار ليس هزيمة، بل هو انتصار للقيم
وارتقاء بالنفس!، ولنحتفي بكل كلمة آسفة تُقال، ونصافح اليد التي تُمد طلباً
للصفح، ونضيء الدروب لمن يتردد في الاعتراف، فالاعتذار هو الضوء الذي يطرد ظلام
الخصومات، والبلسم الذي يداوي جراح العلاقات، إنه لحظة ميلاد جديدة للعلاقة، وعودة
إلى نقاء البدايات، ونبض حياة يتجدد مع كل صلح، وعهد جديد يُكتب بين البشر.
أخيراً، الاعتذار، في جوهره، فعل
إنساني يسمو بالروح ويفتح أبواب المحبة، وهو الخطوة الأولى نحو عالم أكثر تسامحاً،
حيث يسود الاحترام، وتُطوى صفحات الحقد، ويقف الجميع على أرضية واحدة من الإنسانية.
وكما قيل: "الاعتذار هو البذرة
التي تزرع المحبة في قلب العلاقة."
جهاد غريب
ديسمبر 2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق