فن الحوار الإعلامي:
كيف نرتقي بمستوى البرامج الحوارية؟
في عالم
الإعلام، حيث الكلمة أداة والتواصل فن، تبرز البرامج الحوارية كجسر بين الفكر والجمهور،
وهذه البرامج ليست مجرد لقاءات عابرة، بل منصات لصناعة الوعي وتشكيل الرأي العام، لكن
النجاح في هذا المضمار لا يأتي عشوائياً، بل يقوم على ثلاثة أعمدة رئيسية: الضيف، المذيع،
والمعد، هؤلاء يشكلون معاً نسيج الحلقة الحوارية، وأي خلل في دور أحدهم يترك أثراً
واضحاً على جودة الطرح.
المذيع:
قائد الحوار أم قارئ نصوص؟
ليس كل
من يجلس خلف الميكروفون أو أمام الكاميرا مذيعاً، فالحوار ليس مجرد طرح أسئلة وانتظار
الإجابات، بل هو حالة تفاعلية، تتطلب إحساساً بالكلمات، وفهماً لما وراء العبارات!،
بعض المذيعين، وللأسف، يقرؤون الأسئلة بأعينهم دون أن يشعروا بها بقلوبهم، فيبدو الحوار
جافاً، فاقداً للروح. السؤال هنا: كيف يتحول الحوار من سلسلة متتابعة من الأسئلة إلى
تجربة فكرية غنية؟
الإجابة
تكمن في العبارات الانتقالية، تلك الجسور الصغيرة التي تربط بين إجابة الضيف وسؤال
المذيع التالي، فتجعل الحوار أكثر انسيابية وحياة، تخيل مثلاً أن المذيع بعد إجابة
عميقة للضيف يقول مباشرة: "والآن، ننتقل إلى السؤال التالي..."، ألا يبدو
الأمر أشبه بتحقيق صحفي جاف؟ بينما لو قال: "ما شاء الله، إجابة رائعة، لم أكن
أتخيل أن المجتمع قد يتقبل هذه الفكرة بهذه الطريقة!" فإن ذلك يخلق صلة وجدانية
بين المذيع والضيف، وبين الحلقة والمشاهد.
المعد:
المهندس الخفي للحوارات العظيمة!
لا يُمكن
لأي مذيع، مهما بلغ من الحضور، أن ينجح دون إعداد متين، فالإعداد هو روح البرنامج،
حيث يُبنى الحوار على أسس متينة، لا على ارتجاليات عابرة، المعد الجيد لا يطرح أسئلة،
بل يضع خريطة للحوار، يضمن فيها أن تتدرج المحاور بسلاسة، وتصل الرسالة إلى الجمهور
بأفضل شكل ممكن.
الضيف:
هل يكفي أن يكون خبيراً؟
الضيف،
مهما كان متمكناً في تخصصه، يحتاج إلى مهارات إيصال الفكرة، ليست كل المعرفة قابلة
للهضم بسهولة، وبعض المفاهيم تحتاج إلى لغة تصل إلى القلوب قبل العقول، هنا، يأتي دور
"العمق الفكري"، ذلك العنصر الذي يميز الطرح السطحي عن الحوار الثري.
لكن، هل
يجب أن ينزل الضيف بلغته إلى مستوى الجمهور؟ أم أن على الجمهور أن يرتقي بمستوى فهمه؟
في الحقيقة، الإعلام ليس مكاناً للترفيه الخفيف فحسب، بل هو أداة لصناعة الفكر، لذلك،
لا ضير في أن يقدم الضيف محتوى يحمل بعداً فكرياً عميقاً، شرط أن يكون ذلك ضمن قوالب
ذكية تجعل المعلومة أكثر وصولاً وتأثيراً.
لماذا
نحتاج إلى إعلام أرقى؟
العالم
يتغير، والمجتمعات تتطور، لكن للأسف، بعض البرامج الحوارية ما زالت تدور في نفس الدائرة
التقليدية، حيث الأسئلة نمطية، والإجابات محفوظة، والمذيع مجرد ناقل، لا محاور!، إن
كنا نريد إعلاماً يواكب الفكر المتجدد، فعلينا أن ندفع نحو مستوى أعلى من التقديم،
إعداداً وحواراً وأداءً.
في النهاية،
الإعلام الحقيقي ليس صوتاً مرتفعاً ولا مجرد استعراض للكاميرات، بل هو رسالة، عمق،
وحوار حقيقي، وبينما تتعدد البرامج وتزداد المنصات، يبقى السؤال مفتوحاً: هل نشهد إعلاماً
يرتقي بنا، أم يهبط إلى السطحية؟
جهاد غريب
فبراير 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق