الكواليس وفلسفة التلقائية: سر نجاح صناع
المحتوى رغم ضعف جودة المحتوى وقلة التحضير!
شهدت وسائل التواصل الاجتماعي ظهور عدد كبير
من صناع المحتوى الذين تمكنوا من جذب أعداد هائلة من المتابعين والتفاعل، رغم أن جودة
المحتوى الذي يقدمونه قد تكون محل جدل، ويمكن تفسير هذا النجاح بمهارات اكتسبها هؤلاء،
مثل: التغلب على الخوف من الكاميرا، وبناء الثقة مع الجمهور، واعتماد التلقائية في
عرض حياتهم اليومية، أو مواقفهم الشخصية.
يمكن القول أن صناع المحتوى، رغم عدم اهتمامهم
بقيمة المحتوى وجودته، إلا أنهم استطاعوا تحقيق نسبة كبيرة من المشاهدات والتفاعل!،
لقد تعلموا العديد من المهارات التي مكنتهم من التعامل مع الجمهور، ومن بين هذه المهارات:
التغلب على الخوف والقلق من خلال بناء الثقة بينهم وبين المتابعين والمشاهدين، باستخدام
التلقائية المفرطة، وعدم إعداد ملخص مدروس لما سيقدمونه، فيتخذون منهج التلقائية وكأنهم
يعرضون المحتوى كأنه كواليس.
ولتقريب الفكرة، نلاحظ كمشاهدين للأفلام أن
المخرجين يضعون أحياناً مشاهد من الكواليس في نهاية الفيلم، لإضفاء روح الفكاهة، لكن
الفيلم يعتمد على محتوى أساسي، وتعتبر الكواليس جزءاً صغيراً منه، بينما صناع المحتوى
عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد قلبوا الطاولة!، وجعلوا الكواليس هي المنتج الرئيسي،
متجاهلين فكرة التحضير المسبق، أو الإعداد الجيد، وقد عزز هذا من قيمته على حساب المحتوى
الهادف، وهذا ما جعلهم يثبتون للجمهور أنهم قادرين على تقديم محتوى لا يتبع المفاهيم
التقليدية لإعداد المحتوى، ولا يخضع للمعايير بهذا الخصوص.
ببساطة، صناع المحتوى الأقل تخصصاً واستعداداً
استطاعوا إدارة محتواهم، وكسب عدد كبير من المتابعين، وإعادة نشر مقاطعهم من خلال
جمهورهم، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن محتواهم جيد أو هادف! أو أن المتابعين راضون
تماماً عن المحتوى، إنما اندهشوا من تمكن صناع المحتوى من التغلب على رهبة الكاميرا،
والاعتماد على التلقائية دون تحضير مسبق.
رغم الانتقادات لجودة المحتوى، إلا أن صناع
المحتوى أظهروا مهارات لا يمكن إنكارها، مثل الصمود أمام الكاميرا، وتقديم محتوى يومي
أو شبه يومي لجمهور متعطش للتفاعل، فهذا الاستمرار والتكرار منحهم خبرة في التعامل
مع الجمهور وفي مواجهة الانتقادات، وقد أظهر البعض منهم قدرة على استغلال مواقف بسيطة
مثل: تفاعل الأطفال، أو المحادثات العائلية لتقديم مقاطع تجذب الانتباه.
السؤال هنا: هل بعد اكتسابهم لهذه المهارات،
لديهم الاستعداد لتغيير نمط التعامل مع الجماهير، وتقديم محتوى هادف في المستقبل؟
نجاحهم الحالي يعتمد بالدرجة الأولى على التلقائية
والتفاعل اللحظي، لكن مع الوقت قد يكون لديهم فرصة لتطوير محتواهم، والانتقال إلى مجالات
أكثر تخصصاً واحترافية، ويبدو أن صناع المحتوى بدأوا مبتدئين في صناعة محتوى غير هادف،
لكنهم اكتسبوا خبرة في التعامل مع الانتقادات والمهارات الضرورية، لتقديم محتوى ناجح،
فنجد مثلاً صانع محتوى يقدم مشاهد تجمعه مع ابنه تُظهر تصرفاته التلقائية! وتنال استحسان
المتابعين، وتلك السيدة التي تقدم مقاطع مع والدها تنال إعجاب الجمهور.
وعلى الرغم من سرعة عالم التواصل الاجتماعي،
لا يوجد من يستطيع توجيه المقاطع غير الهادفة لتكون هادفة، أو تربوية، أو أكثر تخصصاً،
فصناع المحتوى اليوم قلبوا الطاولة وجعلوا من بحرهم غير الهادف مصدر معرفة للجمهور!،
دون أسس واضحة لتقديم المحتوى أو تحسينه.
لا شك أن عالم التواصل الاجتماعي سريع التغير،
وصناع المحتوى حتماً، يواجهون تحديات يومية! للحفاظ على جمهورهم، ويبقى التسويق الذاتي
أحد دوافعهم الأساسية، حتى وإن كانت جودة المحتوى في أحيان كثيرة لا تتوافق مع معايير
الإبداع أو الفائدة.
يبقى الدافع الأول لصناع المحتوى - كما ذكرنا
سابقاً - هو التسويق لأنفسهم ولمنتجاتهم، بغض النظر عن جودة المحتوى، ولهذا، يتعلم
المتخصصون منهم: كيفية التغلب على رهبة الكاميرا، والاستمرار في تقديم وإدارة المحتوى،
وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، ومن جهة أخرى، يعترف المختصون باحترافية هؤلاء الصناع، بالرغم
من التغاضي عن نوعية وقيمة المحتوى، إذ لا يمكن إنكار نتائج المشاهدات والتفاعل كفيصل
بين الجمهور وصناع المحتوى، بعيداً عن رأي المختصين بجودة المحتوى وذائقتهم.
في النهاية، تبقى التجربة مفتوحة للنقاش:
هل سيقودهم النجاح الحالي إلى تطور في جودة ما يقدمونه؟ أم أن الجمهور سيبقى راضياً
بالتلقائية على حساب المحتوى الهادف؟
جهاد غريب
يناير 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق