الخميس، 26 ديسمبر 2024

 

في متاهات النفوس: يتجلى ظلال الصراع!

 

في أعماق روتين العمل اليومي، حيث تُنسج الأحلام من خيوط السعي والمثابرة، يظهر وجه آخر للحقيقة، وجه يشبه لوحة رمادية! تخفي وراءها صراعات صامتة لا تُسمع إلا همساتها!، هناك، في زوايا المكاتب والممرات، تدور حرب باردة! لا تُعلن ولا تُرى، لكنها تترك آثاراً أعمق من الجراح.

 

تبدأ القصة بخطوة صغيرة، أو نظرة حادة تحمل تساؤلاً خفياً، أو كلمة عابرة، لكنها تُزرع كسهم في صدر الآخر!، قد يكون السبب اختلافاً في الأفكار، أو تنافساً على موقع أو حتى غيرة دفينة!، شيئاً فشيئاً، يتحوّل العمل الجماعي إلى حقل ألغام، حيث يخطو الجميع بحذر، محاولين تجنب أي خطأ قد يتحوّل إلى ذريعة للطعن.

 

في وسط هذا العالم الصاخب بالصمت، تتراجع الإنتاجية، كما لو أن الروح قد فارقت الفريق، فتُصبح الإنجازات المشتركة مجرد ذكرى باهتة، ويحل محلها بحثٌ محموم عن الزلات، كأن الهدف لم يعد الإنجاز، بل الانتصار الشخصي!، فكل نجاح يُنظر إليه كتهديد، وكل خطأ يُعتبر فرصة لتدمير الآخر.

 

في خضم هذا الصراع الدائر، تتلاشى الهوية الشخصية، وتتحوّل الأرواح إلى آلات باردة تبحث عن الفوز بأي ثمن، وتتسرب الشكوك كسم في عروق العلاقات، وتتحوّل الابتسامات إلى أقنعة تخفي وراءها حقدًا دفينًا!، ويصبح كل موظف جزيرة معزولة، تحاصرها أمواج الخوف والقلق، وتبحث عن ملاذ آمن في عالم من الظلام!، هل يمكن للبشر أن يعيشوا هكذا، في حالة حرب دائمة مع أنفسهم ومع الآخرين؟ أم أن هناك أملًا في أن يشرق نور جديد، ويذيب جليد الكراهية؟

 

وفي هذا الصراع الذي يدمر الأرواح ولا ينتهي، هناك دائماً ضحية!، شخص ينهار تحت وطأة الضغط، فيُحرم من الفرص، ويُسلب حقه في أن يُرى ويُقدر، وربما، في الوقت ذاته، يقف آخر على منصة النجاح، لكن نجاحه ملوث، مبني على أكتاف الآخرين! لا على جهده، وبينما تُطفأ الأنوار في المكتب آخر اليوم، يبقى الصراع مشتعلاً، تاركاً آثاراً لا تُمحى في النفوس.

 

"إن الطريق إلى النجاح الحقيقي لا يمر فوق حطام الآخرين". بهذه الكلمات لخّص الفيلسوف والكاتب جون ستيوارت ميل أهمية النزاهة والاحترام في العلاقات المهنية، وكما قال إبراهيم الفقي: "النجاح ليس محطة وصول، بل رحلة مليئة بالعطاء والتسامح".

 

حتى ذلك الحين، ستبقى هذه الحرب الباردة تخفي في طياتها الكثير من الظلم، وتحرمنا جميعاً من متعة الإنجاز الحقيقي.

 

ولكن، هل كان يمكن أن تكون القصة مختلفة؟ ماذا لو أفسحنا المجال للصدق والشفافية؟ ماذا لو مدَّ كلٌ منا يده للآخر، بدلاً من أن يُشهر السيف؟ ربما حينها كان يمكن لهذا المكان أن يتحوّل إلى حقل أزهار، تنمو فيه الأحلام بسلام، ويتقاسم الجميع عبق النجاح.

 

النصيحة واضحة وبسيطة: اجعلوا العمل مكاناً للإنجاز، لا لساحة معركة، وتعلموا أن تسألوا قبل أن تتهموا، وأن تدعموا قبل أن تنتقدوا!، ثقوا أن العطاء المشترك يثمر نجاحاً أعظم، وأن العدالة تفتح أبواب الفرص للجميع، حينها، فقط!، ستتغير الحكاية، وسيُكتب فصل جديد ينتهي بالسلام والرضا، بدلاً من الظلم والصراع.

 

جهاد غريب

ديسمبر 2024

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خزائن البرق: احتجاجٌ يُضيء قلبَ العتمة!

  خزائن البرق: احتجاجٌ يُضيء قلبَ العتمة!  "احتجاجٌ صامتٌ على الانهيار.. كبرقٍ يخزن نوره في أَعماقِ القشور" في زحمة الفوضى التي ان...