السبت، 2 أغسطس 2025

كَفٌّ تَحْمِلُ السَّمَاءَ وَتُنْبِتُ الْأَرْضَ!

 

كَفٌّ تَحْمِلُ السَّمَاءَ وَتُنْبِتُ الْأَرْضَ! 

"بِسمِ العَرَق الذي يُنبتُ قَمحًا، وبِاسمِ الشَّمسِ التي تُولدُ من جُرْحِ غَزَّةَ"

صَدرٌ يحملُ العالمَ

لستُ لاجئًا، 
أنا حاملُ لِواءِ الكرامةِ، 
صمودي ينبعُ من أعماقِ الرُّوحِ،
في عصرٍ، 
يُباعُ فيهِ الضميرُ بِقِرشِ الغُزاةِ!
مِن رُكامِ بيوتِكم أبني قِلاعَ روحي،
وأحملُ العالمَ على كَتِفَيَّ،
فإذا ما انْثَنَى المِرْفَقُ، 
كان الكُوعُ سَندًا للقدسِ! 
اِسألوا: 
مَن بَقيَ وفي عينهِ قمحُ العدالةِ،
ومَن انحَدَرَ في جُبِّ الخيانةِ؟ 

صمودي للعالَمِ مِحبَرةٌ، 
تُكتَبُ بها دُرُوسُ العِزَّةِ،
والقَمحُ في يَدَيَّ أعصِرُهُ نورًا، 
لِيُنبِتَ وطنًا لا تقتُلُهُ الأوراقُ.
وطني ليسَ خطًّا على مَرقَبٍ،
بل وَقْفةُ جَبينٍ في مَوجِ الدَّمارِ! 

حيفا، ارفعي أشرعتَكِ!
واعصري البُرتُقالَ،
فالمدينةُ التي تُباعُ في سُوقِ النّخاسةِ، 
تحتاجُ عصيرَ ثورتنا لِتَعودَ حُلوةً. 

سَلالِمُ حيفا، 
لم تكن دَرَجاتٍ من حَجَرٍ،
بل سُلَّمٌ نُسِجَ من ضَوءٍ، 
يصعدُ عليه المحتلُّ،
فيسقطُ كالظِّلِّ على شَفراتِ نورنا! 

أيتها الموجةُ التي هَربتْ من يافا، 
عُودي!
فالبُرتُقالُ في حَلقِ الأطفالِ، 
صارَ مَرارةَ السؤالِ. 

في عكّا، 
تَقرَعُ الأَمْوَاجُ أَسْوَارَكَ كُلَّ فَجْرٍ،
تسألُ:
أينَ حُرَّاسُ القهوةِ المُرةِ؟
فَيُجيبُها صَمتُ المَدافعِ:
لن يعودوا،
إلّا على صَهيلِ المَوتِ 
في مَوكِبِ الخَيلِ الأَبيضِ! 

بينَ عِناقِ الجبَالِ وصلابَةِ الحجَرِ... 
يَسيرُ سِرٌّ أَزَلِيٌّ 
منْ قَلبِ نَابُلْسَ إِلَى صَدرِ الخَلِيلِ!
تَتهامسُ المُدنُ بِاللَّيْلِ:
هَل يَعلمُ الْغُزَاةُ أَنَّ الْحجارةَ، 
تَحْفَظُ أَسْمَاءَنَا في دفترِ الشَمسِ؟ 

نابلسُ، يا جَبَلَ العسلِ والنارِ. 
أزِقَّتُكِ سُجونٌ من حلاوةٍ... 
تُذيبُ أحلامَ الغُزاةِ.
والخليلُ؟ يا حِجارةً تتكلمُ بدمعِ الزَّيتونِ. 
أسمعُكِ تَهمِسينَ: 
مَن سَيَحمِلُ أطفالَنا 
أجبالٌ أم أكتافُ الأعداءِ؟ 

وإِذا عَجِزتْ عُيونُ الأَطفالِ! 
عن حَملِ الأَسئلةِ، 
تَنهَضُ غَزَّةُ إِصْبَعًا مِن لَظى. 
يَخطَفُ البَرقَ مِن جُفُونِ السَّماءِ!
لن يَخبو الضِّياءُ...
ما دَامَ هذا الإصْبَعُ، 
يَرسُمُ مَسَالِكَ العَودةِ بِالدُموعِ!

غَزَّةُ؟
ليستْ مدينةً،
غَزَّةُ الإصبعُ الذي يُنيرُ الكَونَ،
ويَنقُرُ على قَلبِ الشمسِ،
حتى تُفتَحَ أبوابُ النَّهارِ!
فلو قَطَعوا الأصابعَ،  
سيُضيءُ قنديلُ الفجرِ من جُرحِها! 

بَحرُها، 
يَحفَظُ أسماءَ الأطفالِ في قاعِهِ. 
ويَحملُ أنينَ القِبابِ 
إلى شواطِئِ العالمِ الأصمِّ.
ليسَ الحِصارُ إلّا خُطوةً أخيرةً لِلسُّلَّمِ، 
فَما أسهَلَ اِصعادَكِ إلى القِمَّةِ! 

سأقولُ للرَّصاصِ:
لا تَأخُذْ مِن غَزَّةَ إلّا جُثَثًا 
تُنبِتُ زيتونًا في حُقُولِ العَتَبِ!
وأقولُ للطُّغاةِ:
أطفالُها يَلعَبونَ بالقَنابِلِ، 
فَإمّا تَذهَبُوا، 
وإمّا تَصيرُوا غُبارًا تَدُوسُهُ أقدامُهُم! 

أنا الغُصنُ المَقطوعُ، 
لكنَّ جُذوري تَشرَبُ 
من غَيماتِ الوَطنِ البَعيدِ.
نَسَجتُ مِن أسلاكِ الحُدودِ قَلائِدَ، 
فصارتْ حِبالًا تَدُورُ حَولَ أعناقِ الغُزاةِ!
حَملتُ بيوتَنا في صُرَّةِ تُرابٍ، 
فالوَطنُ حِكايةٌ تَملأُ جيوبي! 

وإذا صارَ المَنفى قَبرًا بلا نَجمٍ، 
فَكَرَامَتي خريطةٌ تُولدُ من جُرْحِ البُرجِ!
وبوصلةٌ تَنبِضُ بِحُروفِ القَصائِدِ!
أنا كوكبٌ بلا مَدارٍ...
في المخيماتِ أزرعُ أقمارًا 
تَحمِلُ أطفالَنا على أجنحةِ الضَّوءِ!
أنا صَوتُ اللَّاجِئينَ، 
وفي سُجونِ التِّيهِ،  
أَنحُتُ شُموسًا 
تَفتحُ دُروبَ العائدينَ، 
كأنَّ المَنفى صُعودٌ نحو النجومِ! 

كُلَّما احترقنا اِنبعثنا كالعناقيدِ 
طُيورًا تَحمِلُ فِلسطينَ على أجنحةِ الغَضَبِ.
فقد جعلنا عُروقَنا دَرَجاتٍ للوُصولِ،
لستُ تُربةً تُسرَقُ، 
بل قلبًا تَحوَّلَ إلى شَفرةٍ. 
ويدًا تَخْطَفُ البرقَ، 
ونَصْلًا يَقطَعُ الظلامَ،
وترمي بشُهْبِ الحقِّ... 
في وجهِ الزَّمنِ الجائرِ! 

زَرَعُوا لنا ياسرًا،  
فأنبتنا جَيشًا من الأضلاعِ!
وإنْ عَطِشتُ، 
أَرتَوِي بدمِ العُصفورِ في الحِصارِ، 
وأسقي زيتونةً... 
تَنبُتُ من عينِ البُندقيّةِ! 

يا نِساءَنا، 
استقبلنَ الشُّهداءَ بالزَّغاريدِ!
يا شُيوخَنا، 
اِرفعوا عصاكم عن الأرضِ.  
فالعَصا لا تتكئُ على اليأسِ،
بل تَرسُمُ على التُّرابِ:
هذهِ حَكايا ليست للانتقامِ، 
بل لِتَذكيرِكم: كيفَ صَمَدتم، 
حين كان على الأرضِ أن تَتَكلّمَ! 

حكايتي؟
فِلسطينٌ تَخرُجُ من ضُلوعي! 
أنا مِرآةُ الأرضِ والقَيدُ الذي يُحرِّرُها!
فإذا مَزَّقوكِ خريطةً، 
فقد جَعلوا طريقَهم سَبيلًا للحُريةِ. 
تَبقى البُوصلةُ تَنبِضُ في عُروقي:
النَّصرُ له سُبُلٌ من نارٍ،
وإليكِ يَعودُ الدَّمُ طريقًا.


أبناءُ العواصفِ

يا شُيوخَنا، 
لم تَسقُطوا على الأعتابِ،
بل حَفرتم بِالعِصيِّ خَنادِقَ الذَّاكِرةِ، 
حتى التُّرابُ يُحافِظُ على دَمعِهِ،
كالقُنبُلةِ التي تَنتَظِرُ اِنفِجارَ السَّماءِ!
ويُخرِجُ مِن جُيوبِهِ 
حَبّاتٍ مِن رَملِ يافا.
تَعرِفُ طريقَها إلى البَحرِ، كالطُّيورِ المُهاجرةِ! 

يا نِساءَنا، 
لم تَكُن زَغاريدُكُنَّ وَداعًا،
بل مَغازِلَ تَنسُجُ أكفانَ العارِ 
مِن صَمتِ العالمينَ! 
إذا صَرخنَ:
يا زَيتونَ القُدسِ، 
اِنزِلي عن جَبينِ السَّماءِ!
تَتَحَوَّلُ ضَفائِرُكُنَّ إلى جُسورٍ، 
يَعبُرُ عليها الأَحفادُ، 
وهُم يَحمِلونَ مَفاتيحَ الغَيمِ! 

يا أطفالَ المُخَيَّماتِ، 
الذينَ يَتَربَّصونَ خَلفَ سُحُبِ الغازِ،
فإذا اِنقَشَعَ الغُبارُ، 
رَأيتَ ألعابَهُم قد نَبَتتْ غاباتٍ مِن شَظايا!
وإذا اِنكَسَرَ جِدارُ الجُوعِ، 
يَنبُتُ الرَّغيفُ سَنابِلَ مِن حَناجِرِهِم!
سَيَقولونَ لِلغَريبِ:
هذه الأرضُ حِذاؤنا ضَيِّقٌ عليها...
فَاخلَعْ نَعلَكَ قَبلَ الدُّخولِ! 

سَيكبُرُ الأطفالُ، 
فتصيرُ أحلامُهُم جسورًا...
مِن عَمَدِ نابلسَ إلى أَحْضانِ الخليلِ!
تَعبُرُ الثورةُ عليها بِأَقْدَامٍ لا تَعْرِفُ إلا 
خُطُواتِ الوَعدِ الأخيرِ! 

وبينَ نابُلسَ وحِجارةِ الخَليلِ، 
تَمتَدُّ القُدسُ، كَشَريطِ دَمٍ يُضيءُ!
نابلسُ...
جَبَلٌ يَنزِفُ صابونًا وزَيتونةَ القَصيدِ. 
حينَ يَدوسُ المحتلُّ شُرفاتِها، 
تَتَحَوَّلُ أزِقَّتُها  
إلى نارٍ تُشعلُ لَهيبَ الثَّورةِ. 
تُذيبُ أحلامَ المُحتَلِّ في رِحلتِهِ الأخيرةِ!
وحينَ يَظُنُّكِ الغازلُ نَومةَ لَيلٍ، 
تَنهَضينَ جِدارًا يَقذِفُ بِالحِجارةِ نُجومًا!
وَوَراءَ جِبالِ نابُلسَ...
تَشرَئِبُّ القُدسُ، كَطِفلٍ يَخطَفُ نَجمةً. 

يا قُدسُ، 
مِن جِراحِنا تَخرُجُ وَمَضاتٌ مِن نورٍ!
يا كِتابَ الذَّهَبِ المَفتوحَ... 
على جِراحِ الأَقصى،
كَلِماتُكِ المُذَهَّبةُ على حَجَرٍ، 
أَصبَحنَ شَظايا، 
لكنَّ القُبَّةَ تُنبِتُ كُلَّ فَجرٍ سَطرًا جَديدًا، 
فإذا ما أَمطَرَهُ الرَّصاصُ، 
تَفَتَّحَ يَاسمينًا مِن جُروحِ الحَرفِ!
وإذا جَنَّ اللَّيلُ، 
ناديتِ:
مَن يَشتَري صَوتَ المُؤَذِّنِ بِخَرَزِ الدَّمارِ؟
وإذا صَرختِ، 
تَعودُ حَمائِمُ القُدسِ إلى أَعشاشِها. 
ويَتَهَشَّمُ جِدارُ الصَّمتِ، كَزُجاجِ العارِ! 

يا خَليلَ الرَّحمنِ، 
حِجارتُكِ التي تَئِنُّ،  
هي أجراسٌ تَدعو الصَّباحَ، 
لِيَكونَ مَجزَرةً لِلغُزاةِ. 
تَحمِلُ سُجِلّاتٍ مِن عِطرِ المِسكِ،
وآثارَ السُّيوفِ، 
فَلا تَسأَلي: مَن يَحمِلُ أطفالَنا؟ 
أطفالُكِ الآنَ، 
يَحمِلونَ أَسلِحةَ الحِجارةِ. 
ويَحمِلونَ الجِبالَ... على أكتافِ دُماهمْ! 

لِلأَبطالِ... لِلأَطفالِ:
صُمودي جُوعٌ لا يَشبَعُ!
ولِلطُّغاةِ: 
أنا العِزَّةُ التي 
اِنتَزَعتُها مِن أَنيابِ الذِّئابِ. 
فَصِرتُ السَّيفَ والمِنجَلَ، 
مِن أَيدينا تَخرُجُ بُروقُ الثَّأْرِ. 
والرَّغيفُ الذي يُنبِتُ سَنابِلَ الثَّورةِ 
مِن لُعابِ الجِياعِ! 

لاجِئٌ؟
بل أنا سَيفٌ طَعَنَ جَوفَ البَحرِ، 
فَانشَقَّ الماءُ. 
وصارَ طريقًا إلى بَيّاراتِ يافا! 
نَصَبوا لي خَيمَةً في المَنفَى،
أنا لا أَسكُنُ الخِيامَ، 
أنا أُعَلِّمُ النُّجومَ: كيفَ تُضيءُ بلا وَطَنٍ!
حتى رَغيفُ الخُبزِ، 
لم يَعُدْ يُكسَرُ على مَذبَحِ الجُوعِ. 
بل صارَ قُبَّعةَ ساحِرٍ 
تَخرُجُ مِنها أَفعى الثَّورةِ!
إذا مَسَّتهُ يَدُ الظُّلمِ، 
يُطلِقُ سَمًّا في كَفِّ الغاصِبِ! 

والقَيدُ؟
هو خاتَمُ عَهدٍ نَذَرناهُ لِلعاصِفةِ. 
فَلا تَحسَبوا أغلالَ الحُدودِ إلّا 
إِبرةً تُخيطُ جِراحَ المُدُنِ بِأَوتارِ العُودِ! 

يا دَمي، 
لا تَجِفَّ على تُرابِ المُخَيَّماتِ، 
اِصعَدْ إلى جَبينِ الزَّمنِ، 
واقرَأْ لِلعالمينَ:
مَن يَسرِقُ شَمسًا مِن غَزَّةَ، 
يُصبِحُ ظِلَّهُ حَبَّةَ رَملٍ في نَعلِ طِفلِنا! 


الزيتونُ يَضمُّ الثورةَ

جِئتُكِ يا زَيتونُ، 
لِأحفَظَ في جُذورِكِ سِرَّ القُدسِ الجريحِ،
ولِأعَلِّقَ على أغصانِكِ قَطَراتِ الرَّصاصِ، 
فإذا الغُصنُ اِنحَنى، 
لم يَكُن لِثِقَلِ العَناقيدِ. 
بل لِيَحضُنَ الأرضَ على صَدرِهِ، 
كَأُمٍّ تُهَدِّئُ رُعشةَ المَدافِعِ. 

تَحفَظُ أحشاءُ الأرضِ أسرارًا،
وَتَرى، 
هذهِ الجُذورُ تحتَ التُّرابِ، 
ليستْ عُروقًا، بل سِجلٌّ يُدوِّنُ:
هذا جَبَلٌ، وهذا وادٍ، وهذهِ دِماءُ الأَحفادِ! 

فإذا مَرَّ الغازي بِظِلِّكِ، 
تَتَحَوَّلُ أوراقُكِ إلى سِكّينٍ. 
يَقطَعُ حِبالَ الهُوِيَّةِ،
ويَفصِلُ الحُبَّ عنِ الحُدودِ. 
وَيَصرُخُ:
هذا ليسَ شَجَرًا، 
هذا جِسرٌ مِن أضلاعي إلى عكّا! 

يا شَجَرَةَ الوَرَقِ المُقَدَّسِ، 
كم يَحمِلُ العُصفورُ في حَنجَرَتِهِ...
مِن ذَرّاتِ رَملِ غَزَّةَ ودَمِ الشُّهداءِ؟
إذا غنّى، 
تَنسابُ الأنهارُ دَمًا. 
وتُصبِحُ القُبَّةُ مِطرَقَةً تَدُقُّ زَيتونَنا. 
حتى يَخرُجَ زَيتُ الحَقِّ 
في قَناديلِ المَساجِدِ، 
وفي جِباهِ المُصَلِّينَ! 

ولِلطُّيورِ العابِرةِ...
حِكايةٌ مَكتوبةٌ بزيتِ الجِراحِ:
كُلَّما مَرَّتْ على الحُدودِ، 
ألقَتْ ريشَها نُجومًا على سُورِ الفُصَيلَةِ!
فَتَحَوَّلَ الحارِسُ المُسَلَّحُ   
إلى طاووسٍ يَرقُصُ على ألعابِ المَوتى.

وإذا اسوَدَّتِ اللَّيالي...
واختَنَقَتْ غَزَّةُ بِدُخانِ القَذائِفِ، 
تَنامُ الثَّورةُ في حِضنِكِ. 
كَطِفلٍ يَرضَعُ مِن جُرحِ أُمِّهِ، 
رائِحَةَ الأَرغِفَةِ المُتَحَلِّلةِ. 
فَتَبكي الزَّيتونةُ دَمًا، وتُنشِدُ:
اِصبري، 
فكُلُّ جذعٍ مَقطوعٍ، 
سَيُصبِحُ جَيشًا مِن الْأَغْصَانِ الخُضرِ. 
وكُلُّ قَطرَةِ زَيتٍ، 
سَتَكتُبُ اسمًا في سِجلِّ العائدينَ! 

ومتى يَأتي الفَجرُ؟
حينَ تَنزِعُ الرّيحُ الأقنِعَةَ عنِ الجِراحِ، 
فَتَجري الحمائمُ إلى القُدسِ. 
حامِلاتٍ في مَناقيرِها:
زَيتونةً، وصَوتَ مُؤَذِّنٍ 
يَخرُجُ مِن بَينِ أضلاعِ المآذِنِ المُنحَنِيةِ!
وحينَ تَثُبُّ الثَّورةُ مِن الحِضنِ، 
تَصرُخُ السَّماءُ:
هَيّا، 
اِقفِزي مَعَ العاصِفةِ إلى الفَصلِ الأخيرِ! 



مَطَرُ السُّيوفِ

يا أرضي، 
يا أرضَ الجُروحِ المُزهِرةِ، 
لم يَعُدِ الرَّصاصُ يَكفي لِحَصادِكِ. 
فالسَّماءُ تَقطُرُ سُيوفًا مِن ضُلوعِ الغُيومِ!
كُلُّ سَيفٍ، 
جِذعُ زيتونٍ يَحمِلُ في لُبِّهِ:
رَمادَ الشُّهداءِ،
وغُصنٌ يَنبُتُ 
في أَكُفِّ الأطفالِ بُوصلةً للفَجرِ!
واسمَ طِفلٍ يَكبُرُ في كَفِّ العاصِفةِ! 

واسمَعْ:
حينَ يَمُرُّ المَطَرُ على حِيطانِ الخَليلِ،
تَنفَتِحُ الحِجارةُ كأفاهٍ صارِخةٍ. 
مَن يُنَقِّبُ عنّا في بِحارِ الوَرَقِ؟ 
فَتَغرِسُ السُّيوفُ أَظافيرَها في التُّرابِ،
وتَصنَعُ مَصْعَدًا إلى عكّا 
مِن أضلاعِ المَساجِدِ المَقْصوفةِ! 

وإِذا أنزَلَتِ السمَاءُ 
سُيُوفَها مِن ضُلُوعِ الغُيُومِ، 
فَإنَّ بَنَاتِ غَزَّةَ 
سَتَقْبِضُ عَلَى بَرَاقِعِهَا 
بِأَكُفٍّ تَحمِلُ الْعَاصِفَةَ وَالزَّيْتُونَ!
لَن يَسقُطَ السَيفُ 
ما دَامَتِ الأَيدي تَعرِفُ كيفَ تَحكي بِالرَّعْدِ!

يا بَناتِ غَزَّةَ، 
هاتينَ أَكُفَّكُنَّ العاريةَ،
لِتَجمَعنَ صَواعِقَ السَّماءِ. 
فقَطَراتُها ليستْ ماءً، 
بل إِبَرٌ تُخيطُ بها أكفانَ الغُزاةِ 
مِن شَعْرِكُنَّ المَبلولِ بالزَّيتِ والدَّمِ!
وإذا انحَنَيتُنَّ لِتَلتَقِطْنَ سُيوفًا، 
يَتَحَوَّلُ شَعرُكُنَّ إلى أَسلِحةٍ سِرِّيَّةٍ 
تَنسُجُ خَرائِطَ العَودةِ!
ويَصيرُ خُصلةُ شَعرٍ واحِدةٍ 
مَعبَرًا إلى بَيتِ المَقدِسِ! 

أيُّها الكِبارُ على الجِبالِ، 
اِرموا أحمالَكم إلى خالق السَّحابِ!
فالهِمَمُ اليَومَ ستَكسِرُ ظَهرَ الجُوعِ. 
وتَسحَبُ مِن غُيومِ الرّاحِلينَ 
قَوافِلَ مِن عِطرٍ وعَنبَرٍ. 

الطُّهرُ اليومَ مِغزَلٌ...
يَنسُجُ مِن دُموعِ المُهَجَّرينَ 
خُيوطًا تَسحَبُ القَمرَ إلى نابلسَ!
حتى إذا انسكَبَ الوَمَضُ على الشَّوارِعِ، 
صارَتِ الأرضُ مِرْجَلًا 
يَطبُخُ أحلامَ الطُّغاةِ بِمِلْحِ البَحرِ! 

ولِلصَّمتِ أيُّها الأَعداءُ حِكايةٌ:
كُلَّما أَغلَقتُم أَفواهَنا، 
صِرْنا نَتَكَلَّمُ بالرَّصاصِ الذي 
يَنبُتُ في حُلوقِنا كالزَّعتَرِ!
وحينَ تَسقُطُ أوَّلُ قَطرةٍ 
مِن مَطَرِ السُّيوفِ، 
تَعلَمونَ أنَّنا:
لم نَعُدْ لاجِئينَ، 
بل سُحُبًا تَحمِلُ مَصاعِبَ العالَمِ إلى مَقابِرِكم! 

فإذا انجلَتِ العاصِفةُ، 
ورأيتُمُ القُدسَ تَرتَدي ثَوبَها البِلَّورِيَّ، 
اِعلَموا:
أنَّ السُّيوفَ التي أنزَلَتها السَّماءُ 
ليستْ لِقَتلِكم. 
بل لِتَحفُروا بها قُبورَكم بأَيديكم 
قَبلَ أن يَغسِلَ المَطَرُ عن أَحجارِ المَساجِدِ 
آثارَ أَقدامِكم! 

وعلى حافَّةِ المَوتِ...
لن نَرفَعَ أيديَنا إلى السَّماءِ، 
بل سنَرفَعُ السَّماءَ نَفسَها على أكُفِّنا. 
كَي لا تَسقُطَ أبدًا على دِيارِ الأَبرِياءِ! 

هذهِ أرضي...
تَرفَعُ صَدرَها للرَّعدِ:
لا تَقُلْ: السَّماءُ تَبكي! 
قُلْ: السَّماءُ تَلِدُ بَرقَ الحُرِّيَّةِ!
وتُمطِرُ علينا غَضبًا يُزهِرُ في أَراضينا!
فإذا انشقَّ الغَمامُ! 
فَاعلَموا أنَّ رَصاصَكم 
قد صارَ سَمْنًا لِخُبزِ الأطفالِ، 
وأنَّنا سنَبقى نَحمِلُ السَّماءَ على أكُفِّنا 
حتى تَكسِرَ العاصِفةُ أَقفاصَ السُّجونِ!
نَهُزُّ جَوفَ الغَيمِ، 
فَتسقُطُ مَفاتيحُ العَودةِ!
ورُعُودُنا 
سَتُحَطِّمُ أقفالَ كُلِّ سَرمَدٍ! 


***

إهداءٌ:
"إلى حَجَرٍ يُشبِهُ وَجهَ أُمّي، 
يَحمِلُ في ثَنياتِهِ  
كُلَّ حُروفِ الغُبارِ التي لم يَقرأها العالَمُ. 
وإلى طِفلٍ يَلعَقُ السَّماءَ كالعَسَلِ في غَزَّةَ، 
لِيَشهَدَ الكَونُ:
حتى الجِياعُ إذا رَفَعوا أصابعَهم، 
تَتَدَفَّقُ مِنها الشَّمسُ دُعاءً!" 


جهاد غريب 
أغسطس 2025 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خزائن البرق: احتجاجٌ يُضيء قلبَ العتمة!

  خزائن البرق: احتجاجٌ يُضيء قلبَ العتمة!  "احتجاجٌ صامتٌ على الانهيار.. كبرقٍ يخزن نوره في أَعماقِ القشور" في زحمة الفوضى التي ان...