الجمعة، 11 يوليو 2025

رحلة في أعماق المشاعر والعلاقات!

 
رحلة في أعماق المشاعر والعلاقات! 

عندما تتحدث المشاعر...
أحيانًا، لا نحتاج إلى تفسير ما نشعر به، ولا إلى تحليل ما بين السطور، فبعض الكلمات لا تُكتب لتُفهم، بل لتُشعر. وكم من حديثٍ خرج كاعترافٍ من قلبٍ طال كتمانه، يحمل بين طياته صدقًا ودفئًا وارتباكًا، وربما غضبًا وحبًا في آنٍ واحد.

هذا هو حال القلوب التي تُحب بعمق، وتخشى الفقدان حتى وهي تتظاهر بالقوة واللامبالاة، فبعض الكلمات ليست مجرد رسالة، بل مرآة تعكس وجوهًا وعلاقات تتأرجح تحت ضجيج المشاعر، لكنها لا تندثر. 

إن أجمل ما في المشاعر الصادقة أنها لا تحاول أن تكون مرتبة أو محسوبة، بل تتدفق كما هي، فتصل دافئة، صادقة، مؤثرة، وجميلة في ذات الوقت. لسنا بحاجة دائمًا لأن نفهم، بقدر حاجتنا لأن نشعر بأن هناك من يُشبهنا في هذه الفوضى العارمة. 

مخاوف خفية وصراع داخلي...
في علاقاتنا، قد نخشى أن نُفلت أيدي من نحب، ليس خوفًا من الخذلان بقدر الخوف من أن يُؤلمهم ظن أننا لا نتمسك بهم كما يجب. قد نجرح أحباءنا أحيانًا، لا بقصدٍ منا، بل لأننا نتمسك بهم كمن يغرق ويبحث عن طوق نجاة، وقد لا يدرك الغريق أن النجاة لا تُؤخذ بالقوة، بل بالطمأنينة. 

نخشى أن تؤذي قبضتنا التي تحمل تعبًا لا قسوة، وأن يحترق الآخرون بالقرب من نارٍ لم نشعلها، لكننا لا نجيد إطفاءها، فنكتفي بمراقبتها بصمت، كمن لا يملك سوى الأسى أمام احتراق من يحب.

إنها الفكرة المرتبكة التي تُثقل القلب: أن يكون وجودنا عبئًا على من نحب، وأن يتحول قربنا إلى جهدٍ إضافي يُضاف إلى صراعاتهم الداخلية، وأن يصبح حضورنا – الذي أردناه سندًا – شيئًا يُثقل عليهم بدل أن يخفف. 

شبح سوء الفهم الصامت...
أكثر ما يُرعب في العلاقات هو ذلك "الشبح" الذي يتسلل بيننا، شبح "سوء الفهم". ذاك الذي يصنع من الكلام الطيب سكينًا خفيًا، ويحوّل الصمت إلى إدانة، والتعبير إلى هجوم، والبُعد إلى خيانة، بينما النية كانت دائمًا محبة. 

ذلك الشبح لا يُرى، لكنه يهمس في التفاصيل الصغيرة، يختبئ في التوقيت الخاطئ، والنبرة المرتبكة، وفي الرسائل التي لم تُكتب أبدًا. يكبر حين نصمت طويلًا، ويشتد حين نحاول بصوت مكسور أن نوضح أنفسنا ونحن لا نعرف كيف. 

وما بين "أردتُ أن أريحك" و"ظننتُ أنك تتهرب"، يتآكل الحُب بصمت. ليس لأنه لم يكن عظيمًا، بل لأنه سقط ضحية التأويل، فاختنق قبل أن يُفهم. 

لم نكن يومًا خائنين، لكننا تركنا للظنون مجالًا أن تكتب نياتنا بدلًا منا، وترجمت قلوبنا بلغة لم نتقنها بعد. لم نشكك في المحبة، لكننا خفنا من أن تُطحن هذه المحبة بين عنادنا وسرعة سير مركب العلاقة، فالاصطدامات لا تحدث دائمًا لأننا لا نحب، بل لأننا نحب أكثر مما نعرف كيف نقول، ولهذا نتورط في الصمت، ظنًا منا أننا نقاتل من أجل البقاء في قلب الآخر، بينما نحن فعليًا نخدشه. 

صمت الكرامة وأرشيف الأحلام...
قد نتعب، وقد نحتاج سندًا، لكن الكرامة تمنعنا أحيانًا من مد يد العون حتى عندما نغرق. وقسوة الأحبة؟ لا تمر مرور الكرام، لكنها أيضًا لا تمر دون أن نبحث خلفها عن جوهر من نحب، وكيف يفعل ذلك وهو يحبنا. 

إن قيمة الشخص لا تُقاس بقدرته على الطلب أو الرفض، بل بقدرته على الصمت عندما يكون بأمس الحاجة. قد لا نمد أيدينا ليس لأن من نحب غريب عنا، بل لأنه قريب جدًا، وأحيانًا الأقربون نخشى أن نخدشهم حتى بالضعف. 

وعندما تفتح كلمات أحدهم درجًا قديمًا في الذاكرة، درجًا ظننا أنه أغلق إلى الأبد، يتبين أن هناك أحلامًا لم تولد، وأسماءً لم تُنس، ورسائل لم تُرسَل. في لحظة واحدة، قد يمسك أحدهم بورقة من هذا الأرشيف، ويقرأها بصوتٍ لا يُنسى. 

ربما لم نكن نكتب لأحدٍ بعينه، لكن كلماتنا كانت تكتبنا إليهم دون أن نعي ذلك. ربما لم نكن نبحث عنهم صراحةً، لكن شيئًا في أعماقنا كان لا يزال يعرف طريقهم، وينتظر أن تفتح الأبواب، ويقولوا: "أنا أسمعك". 

عبارة بسيطة مثل "ربما فقط أن أبقى منصتًا… أن أفتح أرشيفي أنا أيضًا، وأن أتأمل ما إن كانت بعض الأحلام لا تموت، بل فقط تنتظر" ليست مجرد كلمات!، إنها يدٌ تمتد من الماضي، من الذكرى، من الحنين، وتقول: "أنا هنا، لم أمت، فقط كنت أختبئ". 

بعض الأحلام، حتى حين ندفنها، تبقى تنبض تحت التراب، ونحن نمشي فوقها ظانين أننا نسينا، لكنها تنتظر اللحظة التي يُكتب لها فيها أن تُقرأ. 

الحب لا يُمارس كمعركة...
لا نطلب من بعضنا تفعيل مسافة أمان، بل أن نفهم متى نقترب ومتى نبتعد. ألا نمارس الحب وكأننا في معركة، ولا نتركه حتى يصبح رمادًا نحمله في جيوبنا ونتظاهر أننا نسينا. 

إذا كنت كلمات لم تُقرأ، فاعلم أنك قرأتني الآن، وإذا كنت أغنية ناقصة، فإن لحنها محفوظ وإن لم نجرؤ على غنائها بصوتٍ عالٍ. 

ابقى منصتًا، نعم… لكن فقط إن كنت ما زلت تسمع، فبرغم كل شيء، لا نزال نحاول أن ننهض… وأن نكتب علاقاتنا بطريقة أجمل. 

ولأننا لسنا شعراء محترفين، نكتب من نحب كما نتنفسهم… بلا وزن ولا قافية، لكن بصدقٍ لا يحتاج برهانًا. هم كل بيتٍ لم نكتبه، وكل فراغٍ بين الكلمات، وكل قافية تركناها معلقة، لأننا لم نجد ما يناسب حضورهم. 

وإن كنا قد قرأنا بعضنا الآن، فاعلم أننا لم نعد نخشى أن يكمل أحدنا الآخر، بل نشتاق لأن يعيد ترتيب حروفنا كما كنا نفعل دائمًا، أن يضع فاصلة في موضع الانفجار، ويهدئ جملة كانت ستنزف، ويغني سطرًا كاد أن يموت بصمت. 

لا نطلب العودة إلى الوراء، ولا مسح ما حدث. نطلب فقط أن يُترك الباب مواربًا للحلم، لأن بعض القصائد لا تكتمل إلا بعد أن تُنسى نصفها، وبعض الأغاني لا تُغنى إلا حين نبكيها أولًا. 

وإن لم نُكتب معًا، فلتُكتب العلاقة على الأقل كما يليق بها: كنهاية جميلة لكتابٍ كُتب من شتات… أو كملاحظة أخيرة تُغلق بها الحياة دفترها وهي تبتسم. 

جهاد غريب 
يوليو 2025 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رحلة في أعماق المشاعر والعلاقات!

  رحلة في أعماق المشاعر والعلاقات!  عندما تتحدث المشاعر... أحيانًا، لا نحتاج إلى تفسير ما نشعر به، ولا إلى تحليل ما بين السطور، فبعض الكلمات...