فارسُ الخلود: دماءٌ على صهيلِ العودة!
الليلُ ثقيلٌ كحِملٍ من رُفاتِ نُجومٍ،
والريحُ تَعوي في صدرِ الفراغِ، كنائحةٍ
على زمنٍ طواهُ الرحيلُ.
على حافةِ الأفق،
حيثُ يمتزجُ الدمُ بالتراب،
وقف الفارسُ يُقبِّلُ فرسَه...
قبلةً تذوبُ في صهيلٍ مُقدَّس،
يُطهِّرُ جراحَ الأرضِ، ويُنشدُ الخلودَ!
ارتَمى عليها... حزنٌ بلا أجنحة،
وقلبٌ يتفطّرُ كزجاجِ معبدٍ مُحطَّم!
لكنه خرجَ بثباتِ الجبال،
تُقسم عليه العواصفُ: لا تَسقُطْ!
لماذا كلُّ هذا الثبات؟
لأنَّ الحقيقةَ نبتتْ من دمٍ:
سيعودُ... حتمًا سيعود!
والوقتُ يتمددُ في صمت،
كأنه ينتظرُ قرارًا من السماء،
حتى الغبارُ المُعلّقُ يصغي...
لصمتِ الفارس.
توقَّف انتظارًا للحظةِ لا تتكرّر:
قلوبٌ متعبةٌ تبحثُ عن نبض،
ونفوسٌ تائهةٌ تحتاجُ دليلًا،
حين تغيبُ البوصلة!
اجتمعوا حولَهُ كالسيلِ المُنحدرِ،
حباتُ مسبحةٍ مبعثرةٍ تبحثُ عن خيطِ النور.
في عيونِهم رعبٌ يُصارعُ يقينًا،
وفي قلوبِهم صرخةٌ تُدوّي كالرعد:
"مَنْ للضياع؟ مَنْ للعبيد؟"
رفعَ الفارسُ رأسه، نظرَ إلى ما وراءَ الغيم،
فانشقتِ الأرضُ بكلمتِه:
"الله حيٌّ لا يموت،
الباقي حينَ تُفنى الأكوان!
وحدهُ... يُجزِي الصابرينَ الشاكرين!"
الكلمةُ... سيفٌ يُشهرُ في وجهِ الظلم،
وصاعقةٌ تُذكي جمرَ الإرادة!
شيءٌ فريدٌ يولدُ هنا:
تضحيةٌ تُقدَّمُ كقطرةِ ماءٍ في بحرِ الخلود،
كأنَّ القلبَ حين يتجاوزُ حدودَ الجسد،
يُصبحُ نبعًا لا يكتفي بالعطاء،
بل يُراودُ الموتَ عن نفسه،
ويبتسمُ في وجهِ النهاية،
لأنَّ ما وراءَ النفسِ
أقوى من نداءِ بقائها،
فيندفعُ الدمُ طائعًا إلى ترابِ المعركة!
عندها، يُدرَكُ التحرر:
عقلٌ يتحررُ من الخوف،
وروحٌ تنعتقُ من العبودية،
وجسدٌ يتحطَّمُ له قيدُ الفناء!
من وهجِ اللحظةِ خرجَ المعنى...
لم تعدِ الأرضُ ساحةَ قتال،
بل مهدًا يُولدُ فيه وعيُ الأمم!
وقفَ الفارسُ
بين ماضٍ ينزفُ ومستقبلٍ يُولَد،
كالميزانِ الذي يرجّحُ كفّةَ الحق،
في زمنٍ يضيعُ فيه الصوتُ بين الضجيجِ والخنوع!
ليس وحيدًا...
فكلُّ شهيدٍ يُزهِرُ به الفقدُ،
بذرةٌ تُزرعُ في قلوبِ الآخرين!
هكذا تُولدُ البطولةُ من رمادِ الشهادة:
كلما ماتَ سيدٌ، قام سيدٌ!
سنّةُ الحياةِ في صراعها مع الموت،
لكنَّ الفرقَ بين السقوطِ والقيامةِ:
عقيدةٌ،
نارٌ تحرقُ اليأسَ في الصدور،
إيمانٌ يصنعُ من الجرحِ شهادةً،
ومن الدمعةِ نشيدًا!
يقينٌ قديمٌ لا يُكتشف، بل يُجدَّد:
الحياةُ ليستْ سنواتٍ تُعَدُّ،
بل رسالةٌ تُحمَلُ،
وفهمٌ يُضاءُ كقنديلٍ في ظلمةِ الجهل،
وتوازنٌ... كجناحي طائرٍ،
يُحلّقُ بهما نحوَ الشمس!
والنصرُ...
ليس رايةً تُرفع،
بل نورٌ يولدُ في العيونِ التي لا تخاف،
وفي الأرواحِ التي تعلّمتْ أن تُحبَّ حتى النهاية!
وعندما تصبحُ الحقيقةُ أثقلَ من الألم،
لا خيارَ سوى إكمالِ الطريق،
فمَنْ ذاقَ طعمَ الخلود،
لا يعودُ إلى القيد!
عادَ إلى فرسِهِ الأصيل...
لا دمعةَ تُذرى، ولا حزنَ يثني،
فقط ابتسامةٌ كشِفرةِ سيفٍ في دجى الليل:
"الموتُ... مجرّدُ حاجزٍ نُحطّمه،
لنعبرَ إلى فضاءٍ... أرحبَ من قيود العبودية!"
فامتطى صهيلَهُ، كأنما يمتطي ذُرَى الخلودِ،
وانطلق... سهمًا لا يُثنيهِ ريب،
عائدًا يومًا... بغلبةِ الحقِّ ونوره!
والريحُ تنقلُ في الفلاةِ عهدَ السماء:
"الأرضُ ميراثٌ لأهلِ التقى،
والعاقبةُ... حكمةٌ من حكيمٍ عليم!"
هكذا،
تُكتبُ الملاحمُ بدماءِ الصادقين،
وتُخلَّدُ أسماؤهم في صحائفِ الخلود.
فهل أنتَ ممن يناديهم نداءُ العودة؟
جهاد غريب
يونيو 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق