الضوء الخفي: رحلة الإنسان بين الألم والحكمة!
في زحمة الحياة، نخطئ تفسير الإشارات؛ نظن الأبواب المفتوحة أقفاصًا مغلقة، ونحسب الظلال عدوًا، بينما هي دليلٌ على وجود النور. نتعثر في الصمت، ولا ندرك أنه تمهيدٌ لسماع أنفسنا لأول مرة.
هذه ليست مجرد كلمات شاعرية، بل حقائق عميقة تُختزل في تجربة كل إنسان يبحث عن معناه.
الحياة لا تكتب بأقلام ملوّنة، بل بندوب تتركها التجارب، فالألم لا يموت تماماً، بل يتحول إلى حكمةٍ نرتديها تحت الجلد. هذه الفكرة تعيدنا إلى فلسفة "الانكسار الذي يسبق الارتقاء"، فالشجرة التي تتعرّض للعواصف تنمو جذورها أعمق، والإنسان الذي يُجرح يصبح أكثر قدرة على فهم الحياة.
الذكريات المؤلمة ليست عيوبًا، بل أحرفًا مائلة في كتاب وجودنا، تضيف إليه عمقًا وجمالًا، كالوشم الذي يحكي قصة صاحبه.
وكما تتحول الجراح إلى حروف، يصبح الفراغ مساحةً تمنح المعنى. كثيرون يخافون الفراغ، يظنونه موتًا أو خواءً. لكنه في الحقيقة ليس عدماً، بل هو المسافة الضرورية بين الحرف ومعناه.
في الفنون، المساحات الفارغة في اللوحة تُبرز جمال الخطوط، وفي الموسيقى، السكوت بين النوتات يخلق الإيقاع. كذلك في الحياة، لحظات التوقف والتراجع ليست ضعفًا، بل هي فسحة لإعادة الاكتشاف.
وفي خضم هذا الاكتشاف، ندرك أننا كنا نقف أمام أبواب مفتوحة طوال الوقت دون أن نراها. كم مرة وقفنا أمام فرصٍ لم نعرف أنها موجودة، أو أمام حلولٍ كانت أمامنا منذ البداية؟ لطالما كنا نظن أن علينا أن نطرق بقوة، بينما كل ما كان مطلوبًا هو دفع الباب بخفة.
الغرف المظلمة في داخلنا ليست سوى مرايا تعكس ما نخاف مواجهته، وعندما نجرؤ على الدخول، نكتشف أن ما ظنناه ضياعًا كان في الحقيقة طريقًا إلى أنفسنا.
ولا يوجد إنسان عرف طريقه من أول خطوة. الضياع جزء لا يتجزأ من الوصول، والفشل ليس نقيض النجاح، بل مدرسته. حتى الأشياء التي نظنها ضاعت منا، قد تكون قد وُضعت في مكان آخر لتنمو بشكل أفضل، كالبذور التي تُزرع في تربة أكثر خصوبة.
في النهاية، الحياة لا تُقاس باللحظات المثالية، بل بالمحاولات الصادقة. كلّنا نكتب قصيدتنا بحروف من فرح وألم، ضحك ودموع، لكنها تظل قصيدة فريدة، لأنها ببساطة حكايتنا.
"إنسان حاول، فكان" - هذه العبارة تختزل فلسفة الوجود؛ فالقيمة ليست في الوصول إلى الكمال، بل في الجرأة على السير. فلربما الضوء الذي نبحث عنه لم يكن مفقودًا، بل كنا نحتاج فقط إلى تعديل نظرتنا.
جهاد غريب
يونيو 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق