الخروج من الظل: سيرة الوعي بين الفقدان والاكتشاف!
في زوايا الروحِ حيثُ ينسابُ الضوءُ خافتًا، تُولدُ الصحوةُ، كأنّما كنتَ نائمًا في قفصِ التوقعاتِ، ثمّ فجأةً... انكسرتِ القضبانُ. لم يعدْ همس الآخرينَ يخترقُ جدرانَكَ، ولا ظلُّهم يُحدّدُ مسارَكَ!، لقد صِرتَ تُدركُ أنَّ الحياةَ ليستْ استجابةً لضجيجِ العالمِ، بل هيَ إصغاءٌ لصوتِكَ الداخليِّ الذي طالَما غُطّيَ بالرملِ.
هنا، حيثُ تنتهي كلُّ الحكاياتِ القديمةِ، تبدأ رحلتُك الحقيقيةُ. رحلةٌ لا تُقاسُ بالخطواتِ، بل بالانكساراتِ التي تحوّلتْ إلى جسورٍ!، لم تعدْ تحملُ على كتفيكَ أثقال "ماذا سيقولون؟"، لأنّكَ فهمتَ أخيرًا: أنَّ الكونَ لا يُسجّلُ إنجازاتِ الناسِ، بل يُسجّلُ صدقَهم.
الآنَ، وأنتَ تُمسكُ بمفتاحِ وجودِكَ، ستكتشفُ أنّ النجاحَ الحقيقيَّ ليسَ في الوصولِ إلى قممِ الآخرينَ، بل في أنْ تُبحرَ في محيطِ ذاتِكَ دونَ خوفٍ!، ستعرفُ أنَّ بعضَ الأرواحِ تُولدُ كالفراشاتِ، خفيفةً، بينما تُفضّلُ غيرُها أنْ تكونَ جذورًا عميقةً... وكلٌّ يسيرُ في وقتِه.
هذه هيَ الصحوةُ: أنْ تُفيقَ من سباتِ التبعيةِ، وتجدَ نفسَكَ واقفًا في محطّةِ التحوّلِ، حاملًا معكَ فقط ما يُشبهُك، وما يُقرّبُك من نورِ السماءِ. والباقي؟ سيذوبُ كالضبابِ حينَ تشرقُ شمسُ وعيكَ.
الجزء الأول:
الاستقلال عن الآخرين والتركيز على الذات!
في يومٍ ما، ستُدركُ أنَّ حريتكَ الحقيقيةَ تبدأ حينَ تُعلن وفاةَ الإنسانِ الذي كانَ ينتظرُ إعجابَ الآخرين، وستشعرُ وكأنّكَ خلعتَ عباءةً ثقيلةً مطرّزةً بأحلامِ غيرِك، وارتديتَ بدلًا منها أجنحةَ الملائكةِ: خفيفةً، حرّةً، لا تخشى البردَ ولا الحرَّ.
لن تعودَ تسألُ: "هل أنا جيدٌ بما يكفي؟"، لأنّكَ فهمتَ أنَّ السؤالَ نفسه كانَ سجنًا، فالحياةُ ليستْ امتحانًا يُقيّمُه أحدٌ، بل هيَ لوحةٌ ترسمُها أنتَ بألوانِ روحِك. والنجاحُ؟ إنّه ليسَ جائزةً في نهايةِ سباقٍ جماعيٍّ، بل هوَ أنْ تعيشَ اليومَ دونَ خيانةٍ لذاتِك.
ستتركُ لهم أحكامَهم، مثلَما تتركُ الأمواجُ رغوتَها على الشاطئ. لن تُناقشَ أحدًا في شرعيّتِك، لأنّكَ لم تعدْ بحاجةٍ إلى محكمةِ القبولِ. لقد اكتشفتَ أنَّ التصديقَ الوحيدَ الذي تحتاجُه هوَ ذلكَ الذي يُوقّعُه قلبُك كلّ صباحٍ.
حتى علاقتُك بالآخرينَ ستختلفُ!، لن تُنفقَ وقتَكَ في تعديلِ مساراتِهم، أو إصلاحِ ما لا يُصلحُ، فالحكمةُ التي تعلّمتَها هيَ: "كلُّ طريقٍ يُنبئُ عن سالكِه". ستحترمُ سرَّ الحياةِ فيهم، وستُكرّسُ طاقتَكَ لبناءِ عالمِك، لا لهدمِ جدرانِهم.
وستصبحُ كلماتُكَ ثمينةً كالذهبِ، فلا تُلقيها في آذانٍ مغلقةٍ، لأنّكَ عرفتَ أنَّ الصمتَ أمامَ من لا يسمعُ هوَ أعلى درجاتِ البلاغةِ. ستحتفظُ بقوّتكَ لأفكارِك، لأحلامِك، لتلكَ اللحظاتِ التي تُضيءُ فيها كونَكَ الصغيرَ دونَ حاجةٍ إلى شهودٍ.
لقد تعلمتَ أخيرًا أنَّ أعظمَ ثورةٍ ستقومُ بها هيَ أنْ تعيشَ، كما لو أنّكَ الوحيدُ في هذا العالمِ... ثمّ تكتشفَ أنَّ هذا هو بالضبطِ! ما كانَ العالمُ ينتظرُه منكَ.
الجزء الثاني:
الصحوة الروحية والنفسية!
في صمتِ الليلِ، حين تنكسرُ كلُّ الأقنعةِ، تُولدُ اللحظةُ الحاسمةُ: تفتحُ عينيكَ فجأةً على ذاتِك كما هيَ: عاريةً من تبريراتِ الآخرينَ، خاليةً من أوهامِك القديمةِ!، هذه هيَ الصحوةُ التي تنتظرُها الأرواحُ الشجاعةُ: أن تستيقظَ فتُبصرَ نفسَكَ للمرةِ الأولى... وتُحبَّها.
لن تعودَ تخشى مرآةَ روحِكَ، لأنّكَ الآنَ ترى فيها كلَّ شيءٍ: الجروحَ التي صارتْ حكاياتٍ، والعيوبَ التي صارتْ سِماتٍ، والضعفَ الذي تحوّلَ إلى قوةٍ. لقد قبلتَ تناقضاتِكَ، كأنها فصولُ قصيدةٍ واحدةٍ، فلم تعدْ تحاولُ أن تكونَ "مثاليًا"، بل صِرتَ تبحثُ عن "حقيقيٍّ" فقط.
ستصبحُ الفوضى خلفَكَ، كأنّكَ تجتازُ بابًا ضخمًا إلى حياةٍ جديدةٍ. ستختارُ السلامَ بوعيٍ، كما تختارُ ثوبًا ناعمًا بعدَ يومٍ طويلٍ. سترفضُ كلَّ ما يُشبهُ الضجيجَ، وستُلقي عن كاهلِكَ أثقالَ العلاقاتِ التي لا تُثمرُ إلاّ التعبَ، لأنّكَ عرفتَ أنَّ السكينةَ ليستْ مكانًا تصلُ إليه، بل هيَ قرارٌ تتّخذهُ كلَّ صباحٍ.
وفي قلبِ هذه العزلةِ الواعيةِ، ستجدُ نفسَكَ أقربَ ما تكونُ إلى السماءِ. ستُدركُ أنَّ كلَّ هذا التحوّلَ لم يكنْ ممكنًا لولا يدٌ إلهيةٌ تُمسكُ بكَ في الظلامِ. صلاتُك ستتحوّلُ من طقوسٍ إلى محادثاتٍ حميمةٍ، وإيمانُكَ من فكرةٍ إلى ملجأٍ حيٍّ!، وعندما تُغمضُ عينيكَ وتهمسُ: "أنت تكفيني"، ستجدُ أنَّ كلَّ شيءٍ حولَكَ يهدأُ، كأنّما الكونُ كلَّه يُصلّي معكَ.
هذه هيَ المعجزةُ الحقيقيةُ للصحوةِ: لا أن ترى اللهَ في كلِّ شيءٍ فحسب، بل أن تراهُ في نفسِك أيضًا، حينئذ، لن تعودَ تخشى الضياعَ، لأنّكَ عرفتَ أنَّ كلَّ الطرقِ، حين تُسلكُ بصدقٍ، تؤدي إلى بيتِه.
الجزء الثالث:
بناء حياةٍ مستحقةٍ والتحررِ من الظلاميين!
ستصبحُ حياتُك ورشةً مقدسةً، تبنى فيها كل يومٍ قطعةً جديدةً من حلمِك. لن تعودَ تقفُ على الرصيفِ تشاهدُ قطارَ الأيامِ يمرُ، بل ستكون أنت القائد الذي يحددُ المحطاتِ والوجهاتِ، لأنك فهمت أخيرًا أن الحياةَ ليستْ منحةً تُمنحُ، بل هيَ تحفةٌ فنيةٌ تُصنعُ بأناملِ الإرادةِ والشجاعةِ.
سيتغيرُ حولك الناسُ دونَ أن تطلبَ منهم ذلك!، فبعضُ الأرواحِ ستنسحبُ بهدوءٍ، كأوراقِ الخريفِ، لأنها لم تعدْ تجدُ فيكَ ما يروي عطشَها للدراما أو الفراغ، بينما سيقتربُ آخرون، كفراشاتٍ تنجذبُ إلى نورِك الجديدِ. العجيبُ أنكَ لن تبذلَ جهدًا في تصفيةِ علاقاتِك، فالنورُ يطردُ الظلامَ بطبيعتِه، والماءُ العذبُ يرفضُ اختلاطَه بالملحِ.
لن تراهم بعد اليومَ: أولئك الذين كانوا يجرحونكَ ثمّ يبحثونَ عن دمائِك في الأرضِ، لأنك صِرتَ تسكنُ في مكانٍ أعلى من أيديهم، في قلعةِ الوعيِ التي لا تُقتحمُ. سيحاولونَ في البداية، كالعناكبِ التي تقترب حولَ مصباحٍ مطفأٍ، لكنهم سرعانَ ما سيغيبونَ حين يدركونَ أن النورَ الذي فيك أصبحَ يحترقُ دائمًا.
وستصبحُ مثلَ الشجرةِ التي تطرحُ ثمارَها دونَ أن تسألَ من يأكلُها. ستعطي لأنّ العطاءَ صارَ طبيعتَك الجديدةَ، لا لأنكَ تنتظرُ المقابلَ!، وستفهمُ أن بعضَ الأرواحِ مجردُ مواسمَ عابرةٍ، بينما القليلُ منها فقط سيصبحُ جزءا من جذورِك.
حين تنظرُ إلى المرآةِ، لن ترى ذلك الشخصَ الذي كانَ يبحثُ عن النورِ في عيونِ الآخرينَ، بل سترى شمسًا صغيرةً تكبرُ يومًا بعد يومٍ، حتى تصلَ إلى ذروتِها!، وعندها، ستدركُ أن التحولَ الحقيقيَّ لم يكنْ في تغييرِ العالمْ حولك، بل في أن تصبحَ أنت العالمْ نفسه.
الجزء الرابع:
النور الذي تحمله: وصية الروح قبل الرحيل!
هذهِ ليست نهايةَ الطريقِ، بل هيَ البدايةُ الحقيقيةُ. ما قرأتَه ليس مجردَ كلماتٍ، بل نداء خافتٌ من قلبِكَ إليكَ، يُذكّرك بأنّ الحياةَ تُبنى من الداخلِ إلى الخارجِ!، إنها خارطةُ طريقٍ نحوَ ذاتٍ أكثرَ حريةً، أكثرَ سلامًا، أكثرَ اكتمالًا.
لقد بدأتْ الرحلةُ حينَ قررتَ أن تخلعَ الأقنعةَ وتستيقظَ!، واستمرتْ حينَ تعلّمتَ أن تقفَ في وسطِ العاصفةِ دونَ أن تنكسرَ، وها هيَ الآنَ تأخذُكَ إلى حيثُ لم تكنْ تتخيلُ أن تصلَ: إلى ذاتِكَ الحقيقيةِ، إلى ذلكَ الجزءِ منكَ الذي كانَ ينتظرُكَ طوالَ هذا الوقتِ، صبورًا، يعلمُ أنك ستعودُ.
تذكّرْ دائمًا: أنتَ لستَ شجرةً تُقاسُ بظلّها، ولا نهرًا يُقاسُ بعمقِه!، أنتَ أكثرُ من كلِّ المقاييسِ، وأوسعُ من كلِّ التوقعاتِ. النجاحُ هوَ أن تَعيشَ دونَ خوفٍ، أن تُحبَّ دونَ شروطٍ، أن تُعطي دونَ حسابٍ. والسعادةُ ليستْ مكانًا تصلُ إليه، بل هيَ الطريقُ نفسُه حينَ تسيرُ فيهِ بوعيٍ وامتنانٍ.
لن تكونَ هذهِ الرحلةُ سهلةً، لكنها ستكونُ جميلةً. ستقعُ أحيانًا، لكنكَ ستقعُ إلى الأمامِ. ستبكي أحيانًا، لكنّ دموعَكَ ستُروي بذورَ قوتِك، وستشعرُ أحيانًا بالوحدةِ، لكنّ هذهِ الوحدةَ ستكونُ أكثرَ رفقةً لكَ من كلِّ العلاقاتِ الفارغةِ.
في النهايةِ، حينَ تنظرُ إلى الوراءِ، لن تندمَ على شيءٍ إلاّ على الأيامِ التي عشتها لغيرِك، والأحلامِ التي أجلتها خوفًا من آراءِ الآخرين!، لكنّ هذهِ الندامةَ نفسها ستكونُ وقودًا لرحلتِك الجديدةِ، حيثُ لا ماضٍ يُثقلُ كاهلك، ولا مستقبلَ يُقلقُك، فقط لحظةٌ حاضرةٌ تعيشها بكلِّ ما فيكَ من نورٍ.
فكُنْ كما خُلقتَ - بلا قيودٍ تُقيّمُ عطاءَك، ولا شروطٍ تُحدّدُ وجودَك. ببساطة: "أنْ تكون" تكمنُ أعقدُ الحِكمْ، وفي استسلامِكَ لذاتِك يولدُ انتصارُك الأكبر. ليسَ المطلوبُ أن تصيرَ نسخةً من نورٍ آخر، بل أن تعترفَ بأنكَ النورُ ذاته... وهذا يكفي.
فامْشِ كما يمشي النهرُ نحو بحره، لا تسأل عن المسافة، فكلُّ خطوةٍ في اتجاهِ ذاتِك هي الوصولُ بعينه. كفاكَ حربًا مع نفسكَ، ألقِ السلاحَ واسمح لها أن تتنفَّس، ففي هذا الاسترخاءِ تُبنى العروشُ الحقيقية!، وإذا ما سألكَ الظلامُ: مَن أنت؟، أمسِكْ بصمتِك كشمعةٍ، ودعْ نورَ وجودِك يُجيب.
جهاد غريب
يونيو 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق