الأحد، 19 يناير 2025

 

فوضى العقارات تهدد استقرار المستأجرين!

 

تعاني بعض الدول الشرق أوسطية من فوضى في قطاع العقارات تهدد استقرار المستأجرين، فغياب التنظيم وعدم الاستفادة من التجارب المشتركة بين الدول يؤديان إلى تقلبات غير منطقية في أسعار الإيجارات، مما يضع المستأجرين في مواقف صعبة.

في هذا السياق، يتبنى المُلاك أحياناً شعار "من حكم في ماله فما ظلم"، وهو ما يعكس غياب توازن واضح بين حقوق المالك والمستأجر، إلا أن تحقيق هذا التوازن يتطلب وجود جهة رقابية قوية وتشريعات عادلة تُلزم الملاك بتقديم مبررات لأي زيادات في الإيجارات، وبدون هذه التدابير، يظل القطاع العقاري محكوماً بالفوضى.

من هنا، تبدو الحاجة ماسة لتدخل حكومي صارم ينظم العلاقة بين الأطراف المعنية، ويتطلب ذلك وضع قوانين واضحة تُلزم الملاك بتقديم مبررات مدروسة لأي زيادات في الإيجارات، مع فرض عقوبات على الممارسات العشوائية التي تنتهك حقوق المستأجرين، علاوة على ذلك، ينبغي إنشاء هيئات مختصة تعزز اقتصاديات العقار، بما يضمن التوازن بين المصالح وحفظ حقوق جميع الأطراف دون استغلال.

على النقيض، هناك دول مثل: ألمانيا وسنغافورة تقدم نماذج ناجحة في تنظيم سوق الإيجارات، ففي هذه الدول، يتمتع المستأجرون بحماية قانونية تضمن لهم استقرار الإيجار وشفافية التعاملات، وهذه النماذج تبرز أهمية التشريعات الواضحة في خلق بيئة عقارية مستقرة ومزدهرة، مما يشير إلى إمكانية استلهام حلول مماثلة في الدول العربية.

لكن، ما الذي يجعل هذه الفوضى مستمرة في بعض الدول؟ الجواب يكمن في عوامل مثل: ضعف المؤسسات، وقلة الوعي القانوني، وغياب التدخل الحكومي الفعّال، فالدول ذات المؤسسات القوية والتشريعات الواضحة غالباً ما تكون أكثر قدرة على تحقيق التوازن بين حقوق الأطراف المختلفة، مما يعزز استقرار السوق.

عدم الاستقرار في سوق الإيجارات لا ينعكس فقط على المستأجرين، بل يؤثر أيضاً على جاذبية الاستثمار العقاري، فالمستثمرون يبحثون عن بيئة مستقرة تضمن لهم عوائد مجزية دون مخاطر غير مبررة، وتحقيق هذا الاستقرار يعزز من ثقة المستثمرين ويدفعهم لضخ المزيد من الأموال في السوق، مما يسهم في نمو القطاع العقاري والاقتصاد عموماً.

من ناحية أخرى، فإن الزيادات العشوائية في الإيجارات تضعف قدرة الطبقة المتوسطة على توفير سكن مناسب، وهو ما يزيد من حدة أزمة السكن، في ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري النظر في وضع تشريعات تضمن تحديد سقف لزيادات الإيجارات، وتوفير آليات فعالة للشكاوى.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دوراً محورياً في الضغط من أجل تحسين أوضاع سوق الإيجارات، فمنظمات المجتمع المدني قادرة على أن تكون صوت المستأجرين، بما يدعم إصدار تشريعات عادلة تحمي حقوقهم.

لا تقتصر تأثيرات الفوضى العقارية على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد لتشمل الجانب الاجتماعي والنفسي أيضاً، فالزيادات العشوائية وعدم الاستقرار تجعل من الصعب على الأسر التخطيط للمستقبل، مما يؤثر على الشعور بالأمن السكني، وهذه الضغوط النفسية قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على الاستقرار الأسري والاجتماعي، حيث تواجه العديد من الأسر تهديدات بالإخلاء المستمر، مما يضعف قدرتها على بناء حياة مستقرة وآمنة.

أضف إلى ذلك، أن بعض الفئات مثل العمال الوافدين والطلاب غالباً ما تعاني من التمييز في سوق الإيجارات، وهذه الفئات تجد صعوبة في العثور على سكن مناسب بسبب ارتفاع الأسعار والتمييز غير المبرر، مما يبرز الحاجة إلى تشريعات تحمي حقوق الجميع دون تمييز.

من هنا، يمكن أن تكون المعايير الدولية لحقوق المستأجرين مرجعاً مهماً في صياغة التشريعات الوطنية، فهذه المعايير توفر إطاراً شاملاً يضمن حقوق المستأجرين ويعزز استقرار السوق العقارية.

أما التعاون بين الدول العربية فقد يكون خطوة محورية لتوحيد الجهود وتبادل الخبرات في مجال تنظيم سوق الإيجارات، فهذا التعاون من شأنه أن يخلق منظومة أكثر عدالة واستقراراً، مما يعزز من ثقة المستثمرين والمستأجرين على حد سواء.

أخيراً، إن فوضى العقارات في بعض الدول الشرق أوسطية تتطلب تدخلاً حكومياً عاجلاً لتنظيم السوق وحماية حقوق المستأجرين، هذا التنظيم يجب أن يستند إلى تجارب الدول الناجحة، والاستفادة من العوامل المؤثرة لتحقيق التوازن بين جميع الأطراف المعنية، مما يسهم في استقرار القطاع العقاري، ويعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

جهاد غريب

يناير 2025

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عاشق في محراب الوحدة!

  عاشق في محراب الوحدة! أنا وحيدٌ... دائمًا وأبدًا... ها هي ذاكرتي تُطوِي نفسها كملحمةٍ مهجورة، تتنفَّس بين سطورها لوعةٌ لا تموت. ظلٌّ طويلٌ...