أنغام سيمفونية متناسقة تُعزف في مسرح الوجود!
في عالم يزداد تعقيداً، يصبح فصل مشاكل
العمل عن مشاكل البيت ضرورة لا غنى عنها، فحينما تنتهي ساعات العمل ويعود الفرد إلى
منزله، يجب أن يكون قادراً على إغلاق أبواب الضغوط المهنية، ليفتح نوافذ الراحة الأسرية.
ومع ذلك، فإن التداخل بين المجالين يبدو
أمراً شائعاً، حيث تمتد ضغوط المكتب إلى طاولة العشاء، أو تتسرب هموم الأسرة إلى الاجتماعات.
قال جلال الدين الرومي: "إن كانت هناك قوة داخلية تمنحك السلام، فلن يؤثر عليك
أي فوضى خارجية".
هذا التداخل لا يحدث صدفة، بل تغذيه عادات
يومية مثل الرد على رسائل البريد الإلكتروني في أوقات الراحة، أو التفكير المفرط في
مشاكل العمل حتى في لحظات السكينة.
يقول الحكيم كونفوشيوس: "الحياة ببساطة
هي تحقيق التوازن"، في المقابل، تُلقي التحديات الأسرية بظلالها على الأداء الوظيفي،
مما يجعل التوازن يبدو كمعركة خفية يديرها العقل والقلب، وكأنهما راقصين على حبل مشدود
في سيرك الحياة اليومية.
عندما يتحقق هذا التوازن، يصبح البيت ملاذاً
للراحة، والعمل مجالاً للإبداع، فتزدهر الحياة في كلا الجانبين، كما تنمو الأزهار في
بستان واحد رغم تنوع ألوانها وأشكالها.
لكن إذا كان أفراد العائلة يعملون، فإن
هذه فرصة لتبادل الخبرات والمعارف حول كيفية التعامل مع المشكلات، مما يعزز الترابط
الأسري، ويخلق فهماً أعمق لتحديات كل فرد.
إن الحلول ليست بعيدة المنال! حيث يبدأ
الأمر بتحديد الحدود بوعي، حدود تفصل بين ساعات العمل والحياة الشخصية، وبين التفكير
العملي والمشاعر الأسرية.
فقد يعني هذا إغلاق الهاتف المحمول عند
دخول المنزل، أو تخصيص وقت للتواصل مع الأسرة دون مقاطعات. قال ستيفن كوفي: "إن
الأهم ليس ما نفعله، بل كيفية استخدام الوقت الذي نملكه".
الأهم من ذلك هو إدراك أن الفرد، رغم كل
التزاماته، بحاجة إلى مساحة خاصة لنفسه، مساحة يستطيع فيها أن يتنفس بعيداً عن صخب
العمل وضجيج المسؤوليات، فهي واحة للروح في صحراء الحياة اليومية.
عندما يتحقق هذا الفصل، يجد الشخص نفسه
أكثر قدرة على العطاء في كل جانب من جوانب حياته، فالبيت يظل مكاناً للسكينة، والعمل
مجالاً للإنجاز، وبينهما خيط من التوازن الذي يمنح الحياة معناها الحقيقي.
جهاد غريب
يناير 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق