الاثنين، 30 ديسمبر 2024

 

الشره المرضي في عصر المشاهدات!

 

في عصر باتت فيه الشهرة على بُعد نقرة إصبع، تنتشر الظواهر الغريبة كالفطر بعد المطر، ومن بينها مشاهد تبدو صادمة حتى لأكثر العقول انفتاحاً!

 

تخيل شخصاً يجلس أمام الكاميرا، يلتهم كميات مهولة من الطعام بسرعة مذهلة، بينما تتراقص أمامه أضواء الإعجابات والتعليقات.

 

يبدو الأمر كلعبة مجنونة، لكنها ليست لعبة أبداً!، فخلف هذه المشاهد المليئة بالصخب تكمن قصة صراع بين الفضول البشري، وضغط الشهرة، وسوء استغلال المنصات.

 

لسنا بعيدين عن المشهد! فنحن من نتابع، ونُعجب، ونشارك!، بل قد نساهم في صناعة الخطر!، لأن الفضول يدفعنا، وربما الضحك يجذبنا، لكن قليلاً ما نتوقف لنتساءل: ماذا يحدث بعد الكاميرا؟ كيف يقضي هؤلاء الأشخاص لياليهم؟ هل يحتفلون بانتصاراتهم الصغيرة على لوحات المشاهدات، أم أنهم أسرى آلام جسدية ونفسية لا تراها الكاميرا؟

 

الواقع أكثر تعقيداً مما يظهر!، بعضهم ينغمس في هذه السلوكيات بحثاً عن القبول، أو لإرضاء جمهور متعطش لما هو غريب وصادم، وبعضهم يغامر بصحته، بل بحياته، فقط لتحقيق لحظة عابرة من الشهرة. حين يتحول الإنسان إلى أداة لإنتاج المحتوى، تصبح إنسانيته هي الثمن المدفوع!، لكن، لنكن صادقين: هل نحن مجرد مشاهدين أبرياء؟ أم أننا شركاء في هذا التدمير الصامت؟

 

كل ضغطة زر، وكل تعليق، وكل إعادة نشر تضيف مزيداً من الوقود لنار هذا الجنون، ومواقع التواصل الاجتماعي ليست بريئة أيضاً، فالخوارزميات التي تدفع بالمحتويات الأكثر جذباً للواجهة تغذي هذه الظواهر، وتجعل من الغريب مقبولاً ومن الخطير جذاباً.

 

إن هذه الظاهرة لا تقف عند حدود الثقافات، ففي بلدانٍ تعاني من الفقر، يبدو نشر مشاهد تناول الطعام بسخاء نوعاً من التفاخر، وفي مجتمعات أخرى، قد تبدو هذه المقاطع انعكاساً للإفراط في الاستهلاك.

 

إنها تذكير صارخ بالفجوة بين عالمين، أحدهما يعاني من الجوع والآخر يُغرق نفسه بالشراهة، لكن، ماذا لو قلبنا الموازين؟

 

تخيل لو استُغلت هذه المنصات لتسليط الضوء على قصص ملهمة، على أشخاص يغيرون حياتهم نحو الأفضل، أو على مبادرات تنشر الوعي الصحي، بالتأكيد يمكننا أن نعيد تشكيل دورنا كمشاهدين، من مجرد متابعين صامتين إلى مؤثرين إيجابيين.

 

دعونا نأخذ لحظة لنتأمل!، هذه الظواهر لم تأتِ من فراغ، لكنها تستمر!، لأننا نسمح لها بالاستمرار.

إذا أردنا عالماً أفضل، يجب أن نبدأ من أنفسنا، فالمقاطعة ليست كافية، بل يجب أن نكون صوتاً يطالب بالوعي والمسؤولية، لنحميهم من أنفسهم، ولنحمِ أنفسنا من أن نكون مجرد دمى تحركها الخوارزميات، فالعالم الذي نبنيه اليوم هو الإرث الذي نتركه لغدنا.

 

جهاد غريب

01/12/2024

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حين يضيء الأفق بعد العتمة

  حين يضيء الأفق بعد العتمة رسالة في الصبر والفرج   في زحام الأيام الثقيلة، حيثُ تتكدّس الهموم في الصدر كما تتكدّس الغيوم فوق سماءٍ ضا...