الاثنين، 30 ديسمبر 2024

 

المكر السيء والعبارات القابلة للتأويل!

 

عندما يتحدث بعض الناس قد تكون بعض عباراتهم قابلة للتأويل، فتساءلت في نفسي: هل الاشخاص السيئين هم فعلا من تكون لهم تأويلات سلبية لتلك العبارات البريئة؟

كثيراً ما نجد أنفسنا نغرق في بحر من الكلمات، نستخلص منها معاني لا يقصدها قائلها!، هل هي عادة سيئة أم داء مستوطن في نفوسنا؟ لماذا نصرّ على رؤية السواد في كل شيء؟، وربما نجد أنفسنا أحياناً أسرى لعبارات تحمل معاني متعددة، فنختار منها السلبية دون أن نقصد، كأننا نحمل عدسة سوداء، تُضخم لنا الشوائب، وتُغطي على الجمال!، لماذا يميل البعض إلى التأويل السلبي؟ هل هو ضعف في الفطرة السليمة، أم ظلال نفسية تراكمت مع الزمن؟ ولماذا نميل إلى الظن السيئ؟

 

التأويل السلبي غالباً ما ينشأ من مزيج معقد من العوامل النفسية والاجتماعية، فالخبرات المؤلمة التي مرّت بنا قد تجعلنا أكثر استعداداً للشك، حيث تتحول مواقف صغيرة إلى مرآة لماضٍ قاسٍ، كذلك، فإن ضعف الثقة بالنفس! قد يدفع الإنسان إلى إسقاط مخاوفه على الآخرين، فيرى في كلماتهم نقداً، أو تهديداً، حتى لو كانت بريئة، وعلى سبيل المثال، قد يقول أحدهم في اجتماع عمل: "أعتقد أن هذه الفكرة بحاجة إلى بعض التطوير"، فبدلاً من اعتبارها تعليقاً بناءً، يفسرها الشخص ذو الميل السلبي على أنها هجوم على كفاءته، مما يؤدي إلى توتر العلاقة!، وربما تدهورها.

 

التأويل السلبي كظلٍّ يطاردنا، فهو يشبه مرضاً ينخر في الروح ببطء، أو ظلاً داكناً يلاحقنا أينما ذهبنا، إنه يزرع في القلب القلق والريبة، ويدمر ثقة الناس ببعضهم، وكثيراً ما يؤدي هذا الظن إلى عواقب وخيمة!، تخيل صديقاً تأخر في الرد على رسالتك، فتبدأ في نسج سيناريوهات: ربما لم يعد يقدّرك، أو قد أساء فهم موقف ما، وبينما تزداد هذه الأفكار، تتآكل العلاقة، دون أن يكون هناك أساس حقيقي لهذه المخاوف.

 

التواصل الصريح في الغالب، جسر يربط القلوب، والحل يكمن في العودة إلى الفطرة السليمة، والتخلي عن الافتراضات المسبقة، فالتواصل الصريح والواضح هو المفتاح، فعندما نستمع بعناية ونطلب التوضيح، فإننا نمنح أنفسنا فرصة لفهم النوايا الحقيقية، بدلاً من الوقوع في شراك سوء الفهم!، والأمثلة على ذلك كثيرة: عندما يختلف شريكان، قد يفسر أحدهما صمت الآخر على أنه تجاهل، أو عدم اهتمام، بينما قد يكون الصمت تعبيراً عن الحيرة، أو التفكير العميق، وهنا يأتي دور الحديث الصادق، ليبني جسراً بين القلوب، بدلاً من أن يتركها معزولة في شكوكها.

 

بين الظن الحسن والتأويل السلبي، تتأرجح الفطرة السليمة!، قال تعالى: "ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله"، هذه الآية الكريمة تشير إلى أن الأعمال السيئة، والنيات السلبية ستعود على من قام بها، وهي مرجعنا الذي يعيدنا إلى أصل الإنسانية: الثقة والتفاؤل، ومن يعيش بنية حسنة يرى الخير في كل شيء، ويمنح الآخرين مساحة للخطأ دون أن يحاكمهم بقسوة، لذا يجب التأكيد على أهمية التفكير الإيجابي والابتعاد عن التفسيرات السلبية.

 

إن الكلمات كالأدوات، يمكن أن تكون جسوراً تربط الأرواح، أو معاول تهدم العلاقات، لنستخدم كلماتنا بحكمة، ولنزرع بها الأمل بدلاً من الريبة، ودعونا نتوقف للحظة ونسأل أنفسنا: هل نحن نبحث عن العيوب، أم نتجاوزها لنرى الصورة الأكبر؟

يقولون إن العين التي تبحث عن العيوب تجدها، قد يكون هذا القول صحيحاً، فالتأويل السلبي هو بمثابة عدسة مكبرة نضعها على كل كلمة، نكبر بها الشائب ونصغر بها الجميل، إنها عادة تزرع الشكوك والريبة في القلوب، وتدمر العلاقات قبل أن تنشأ.

 

ختاماً، يجب علينا العمل على بناء علاقة صحية مع الآخرين من خلال التفكير الإيجابي والفطرة السليمة، ونترك التفسيرات السلبية، ونعمل على بناء مجتمع أكثر إيجابية وحباً.

فلنتحرر من قيود التأويل السلبي، ونمنح النوايا الحسنة فرصة للظهور، ولنجعل من كلماتنا نوراً يهدي، ومن استماعنا وسيلة لفهم أعمق، ونبني عالماً تسوده الثقة والحب، ونترك وراءنا ظلال الشك التي لا تزيد الحياة إلا عتمة.

 

جهاد غريب

ديسمبر 2024

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خزائن البرق: احتجاجٌ يُضيء قلبَ العتمة!

  خزائن البرق: احتجاجٌ يُضيء قلبَ العتمة!  "احتجاجٌ صامتٌ على الانهيار.. كبرقٍ يخزن نوره في أَعماقِ القشور" في زحمة الفوضى التي ان...