بين العجلة
والتروي: فن اتخاذ القرار بحكمة!
في بعض
الأحيان، تتسارع نبضات قلوبنا بطريقة تجعل من التفكير العميق رفاهية لا نملكها!، إنها
تلك اللحظات التي يختلط فيها الخوف بالغضب، أو التوتر بالضغط الزمني، حيث نجد أنفسنا
مضطرين لاتخاذ موقف حاسم، دون أن نتمكن من العودة خطوة للخلف لتأمل الخيارات المتاحة.
غالباً
ما نجد أنفسنا ننجرف وراء قرارات آنية، نتخذها في لحظات الحسم دون تروٍ، وهذه
القرارات، التي تُملى علينا من قبل محفزات نفسية واجتماعية، قد تحمل في طياتها
مخاطر جسيمة، وكما قال المؤلف الصيني، صن تزو: "في خضم الفوضى، هناك دائماً فرصة"، في عالمنا المعاصر، حيث تسود
التكنولوجيا والتعقيد، يبدو هذا القول وكأنه تحدٍ كبير، فهذه الفوضى قد تدفعنا
لاتخاذ قرارات نأسف عليها لاحقاً!
لماذا
إذن ننجذب إلى هذه القرارات الاندفاعية؟ تلك هي جوهر المسألة!، ربما لأن الإنسان
بطبيعته يميل إلى تجنب الألم والخطر، ويفضل البحث عن الأمان والراحة الفورية، وهذه
الطبيعة تجعلنا أحياناً نغفل عن التدقيق والتمعن، فنقع ضحية اندفاعاتنا.
يقول ستيفن
كوفي: "بين المحفز والاستجابة، هناك مساحة، وفي تلك المساحة تكمن حريتنا وقوتنا
في اختيار ردود أفعالنا"، إنها تلك اللحظة الحرجة التي تُظهر الفرق بين من يُتقن
إدارة نفسه وبين من يتوه في زحمة مشاعره.
إن محفزات
القرارات السريعة متنوعة، فالغضب، على سبيل المثال، قد يكون أشرس محفز لاتخاذ قرار
سريع!، أليس هذا الغضب نفسه ما يجعلنا نبحث عن حلول؟ ربما، لكنه أيضاً قد يقودنا إلى
أخطاء نحن في غنى عنها، وهنا تظهر أهمية مهارات التعامل مع الغضب، كأن نتوقف للحظة،
ونتنفس بعمق، ونتأمل العواقب!، هذه اللحظة الصغيرة قد تكون الفارق بين قرار كارثي وآخر
حكيم.
أما الخوف،
فهو صديق قديم للقرارات السريعة!، قد يدفعنا لحماية أنفسنا، ولكن بأي ثمن؟ أحياناً
يجعلنا نتخلى عن فرص ثمينة، لأننا لم نملك الشجاعة الكافية لننظر إلى الصورة الكاملة،
وحين نتحلى بالتفكير النقدي، ونفهم مخاوفنا، نصبح أقدر على ترويض هذا الوحش الذي يسكن
داخلنا.
علاوة
على ذلك، التوتر النفسي والضغط الزمني يشكلان معاً عدواً مشتركاً!، كم مرة وجدنا أنفسنا
مضطرين لاتخاذ قرارات ونحن محاصرون بالمهام والمواعيد؟ هنا تتجلى النقطة المحورية:
التخطيط المسبق يمنحنا فسحة من الأمان، مساحة نعود إليها حين تضيق الخيارات، ومع ذلك،
هناك نوع من القرارات السريعة يمكن أن يكون مُثمراً!، إنها تلك التي تنطلق من المعرفة
التراكمية والخبرة الطويلة، فعندما يكون العقل مدرباً على تحليل المواقف بسرعة، يصبح
القرار السريع مدروساً، بل ويقترب من الحكمة.
ولكن،
كيف يمكن تفسير ميل البعض إلى إصدار الأحكام المتسرعة والمتهورة؟ ربما لأنهم يعتمدون
على انطباعات أولية، أو مشاعر عابرة، دون أن يدركوا أن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير،
وهنا يأتي دور التعاطف، والقدرة على فهم دوافع الآخرين ومشاعرهم، فعندما نمارس التعاطف،
نصبح أكثر قدرة على اتخاذ قرارات متوازنة، لا تحكمها الأحكام المسبقة.
بالإضافة
إلى ذلك، القرارات المدروسة ليست مجرد رفاهية، بل هي حاجة ملحة في زمن تتسارع فيه الأحداث،
وهذه القرارات تقلل من الأخطاء، وتعزز الثقة بالنفس، وتُحسن العلاقات الاجتماعية، إنها
الخيار الذي ينسج لنا مستقبلاً أكثر إشراقاً.
في النهاية،
الحياة مزيج من القرارات السريعة والمدروسة!، والسر يكمن في معرفة متى نتبع القلب
ومتى نستشير العقل؟!، وبين دفتي الحكمة والعاطفة، نجد الإجابة التي تليق بمقام
الإنسان، وحلمه الدائم نحو الأفضل.
بالإضافة
إلى ذلك، تُظهر القرارات السريعة مكنوناتنا تحت وطأة اللحظة، تكشف القرارات
المدروسة عن قوة التخطيط، والتفكير النقدي في حياتنا، وعلينا أن نعيش هذه المعادلة
بحكمة، ونوازن بين الاستجابة الفورية والحكمة المتأنية!، كما قال ستيف جوبز،
"أحياناً تكون الحياة بتوجيهات وأحياناً تكون بتعلمك من أخطائك"، لذا،
دعونا نتعلم من أخطائنا، ونسعى جاهدين لتطوير مهاراتنا في اتخاذ القرارات.
وبالتالي،
معرفة كيفية التمييز بين متى نتبع القلب، ومتى نستشير العقل هو فن الحياة بحد
ذاته، وهذا الفن هو ما يجعلنا نرتقي بقراراتنا، ونصوغ مستقبلنا بأفضل صورة ممكنة،
ونعيش حياة مليئة بالرضا والإنجاز.
جهاد غريب
ديسمبر 2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق