ليلة العمر: بين البذخ والتوفير!
يُعَدُّ حفل الزفاف أحد أبرز مظاهر الزواج في المجتمعات، حيث يُعدّ ليلة
مميزة تُعرف بـ"ليلة العمر"، وهذه المناسبة تجمع الأحباب والأصدقاء وأهل
العريس والعروس في أجواء من البهجة والفرح، إلا أن إقامة حفل زفاف كبير وبهيج قد تواجهها
أحياناً عوائق وظروف مختلفة.
في كثير من الأحيان، تتحول حفلات الزفاف في مجتمعاتنا، إلى ساحة لعرض مظاهر
التقليد والتفاخر، حيث تسود رغبة جامحة في مجاراة العادات والتقاليد المتوارثة، ورغم
أن هذه التقاليد قد تحمل في طياتها معانٍ سامية، إلا أنها في ظل الضغوط الاجتماعية،
والتنافس على البذخ، تفقد معناها الأصيل!، وتتحول إلى قيود تقيد حرية العروسين في اختيار
ما يناسبهما.
من أبرز هذه التحديات، الوضع المادي للعريس، فقد لا تسمح إمكانياته بتنظيم
حفل كبير، كما قد تتسبب ظروف طارئة، مثل: وفاة أحد أقارب العريس، أو العروس خلال فترة
الخطوبة، في تأجيل موعد الحفل، وفي بعض الحالات، قد يطول التأجيل، مما يدفع البعض إلى
اقتراح إقامة حفل بسيط يقتصر على حضور أفراد العائلة المقربين، بعد استئذان أهل المتوفى.
وفي نفس السياق، تتعرض العديد من الأزواج الشابين، لضغوط أسرية كبيرة لإقامة
حفل زفاف فخم، حيث يرتبط في العديد من الثقافات حفل الزفاف بوجاهة الأسرة ومكانتها
الاجتماعية، وهذا الإلحاح المبالغ فيه يخلق صراعاً بين رغبة الأهل في تأكيد هيبتهم
الاجتماعية!، ورغبة الأبناء في بناء حياة مستقرة، مما يؤدي إلى جو من التوتر والضغوط
النفسية على العروسين ويحرمهما من الاستمتاع بهذه المناسبة السعيدة.
في المقابل، ظهر وعي جديد بين بعض الشباب، حيث يفضلون تقليل التكاليف،
والاستفادة من الأموال المخصصة للحفل في أمور أكثر أهمية، مثل: السفر والاستمتاع بشهر
العسل في وجهة سياحية، وهذا القرار يعكس تفكيراً عملياً، حيث يسعى العروسان، لبناء
ذكريات جميلة دون تحمل أعباء مالية ثقيلة.
ومع ذلك، يظل حفل الزفاف حلماً لا تتنازل عنه الكثير من العرائس، فهذه
الليلة تمثل ذكرى خالدة تعيشها العروس، وتتذكرها كلما حضرت حفلاً مشابهاً، وفي حال
لم تتمكن من إقامة حفل زفاف، قد تشعر بنوع من الإحباط أو الحزن، مما قد يؤثر أحياناً
على حياتها الزوجية مستقبلاً.
العروس، غالباً، ترى في ليلة زفافها لوحةً فنيةً مفعمة بالبهجة، فترتدي
فيها فستانها الأبيض، وترقص على أنغام السعادة، لكنها قد تجد نفسها أمام مفترق طرق
بين حلم الحفل الأسطوري!، وواقعية الحياة الزوجية، وهنا يكمن الحل في تحقيق توازن بين
الإمكانيات والرغبات، وبين الأحلام والواقع، حيث يمكن لحفل بسيط، وإن كان صغيراً، أن
يحمل معاني الفرح كلها.
حفل الزفاف، تلك اللحظة التي تتجلى فيها الأحلام وتنصهر المشاعر، هو بداية
رحلة طويلة تحمل بين طياتها الأمل والتحدي، ولكن في بعض الثقافات، يتجاوز الحفل مفهوم
الفرح إلى إثبات المكانة، فتقام المآدب الفاخرة وتُحجز القاعات الكبرى، وكأن الفرح
يُقاس بحجم الإنفاق لا بدفء القلوب، ومع ذلك، فإن حفل الزفاف، مهما كان حجمه أو شكله،
يجب أن يكون انعكاساً للحب الحقيقي بين العروسين، وليس لمظاهر التفاخر الاجتماعي.
الزواج في جوهره رابطة مقدسة، باركتها الأديان ونصت عليها الشرائع، فهو
ليس مجرد عقد، بل ميثاق غليظ يرتكز على الحب والاحترام، كما أن حفلات الزفاف تحمل بعدها
الروحي، إذ تضفي الدعاء والبركة طابعاً خاصاً على هذه المناسبة، ففي زفاف بسيط، مليء
بالدعاء الصادق، قد يجد العروسان من البركة والسكينة ما لا تمنحه القاعات الفخمة!،
ولا الاحتفالات الباذخة.
لذلك، تذكّروا أن ليلة الزفاف ليست محطة أخيرة، بل بداية لطريق طويل يحتاج
إلى صبر ورؤية وحب. اختاروا بساطة تعكس حقيقتكم، واحتفلوا بطريقة تجعل الحب هو النجم
المتلألئ في سماء يومكم، وليس مظاهر البذخ أو المجاملات، فالفرح الحقيقي يكمن في القلوب،
وليس في حجم الحفل أو عدد المدعوين.
قال أحدهم: "إن الزواج كالسفر، لا يهمك مدى اتساع المركبة، بل قوة
الشريك الذي يقود معك الرحلة".
جهاد
غريب
ديسمبر
2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق