الثلاثاء، 11 نوفمبر 2025

حين تُسجن الحروف خلف الحدود

 

حين تُسجن الحروف خلف الحدود

 

"صرخة المبدعين المنسيين في زمن صمت العالم"

 




 

باسم الحرية المغيبة،

وباسم الحروف التي تعبر الحدود دون أن تحمل جواز سفر،

نكتب.

 

عند زاوية ضوءٍ خافتة،

نافذة مفتوحة على أرجاء العالم،

تُشعل جوائز الكلمة مصابيح الأمل.

 

تتنافس القلوب الشابة على نحت الحلم بحروف من ذهب،

لغة تتنفس بينهم كالروح،

ليست مقروءة فحسب، بل محسوسة، معاشة.

 

تتسع المجالات،

فتكتسي القصة،

وتتألق المقالة،

وترقص القافية،

وتتجسد الجمالات في خطٍّ ورسم.

 

جوائز ليست للتكريم،

بل لصنع سرائر تتعلق بالهوية،

وترفض النسيان.

 

ومع كل هذا البهاء،

توجد قلوب في زاوية مظلمة من خارطة العالم،

تقرأ أخبار الجوائز بعينين دامعتين.

 

ليس الحزن لعدم الفوز،

بل لعدم إمكانية المحاولة أصلًا.

 

يرسمون الكلمات في صمت،

ويبكون على حروفهم المقيدة،

التي لا يسمع صوتها أحد،

لأنها لا تستطيع عبور الحدود.

 

إنهم يحملون في أعماقهم لغة كاملة،

وتاريخًا عتيقًا،

وحُلمًا بمساحة لكلمتهم أن تصل.

 

ولكن جواز سفر الحرية قد صودر منهم.

 

الحدود لهم ليست خطوطًا على الخرائط،

بل جدران عالية من الزجاج المعتم،

يرون من خلالها العالم يمر،

والفرص تتحقق،

وهم واقفون خلفها،

يدقون بصمت لا أحد يسمعه.

 

يا لهذه المفارقة القاسية!

أن تحمل في صدرك أشجار البيان كلها،

وأن تكون سجين صمت مطلق.

 

أن تملك لغة الجمال،

وأن تُحرم من فرصة إثبات أنك تستحق أن تُسمع العالم جمالها.

 

كأن الجمال نفسه يُعاقب لأنه وُلد في المكان الخطأ.

 

الحزن ليس لفقدان الجائزة؛

الحزن لفقدان حق المشاركة في الإنسانية نفسها.

 

وهاهم ذوو القلوب الحساسة والأقلام المبدعة،

يرسلون صرخاتهم في فضاءات الوحدة.

 

صرخات لا صوت لها،

مكابدة لا أحد يراها.

 

يحاولون أن يقولوا للعالم:

"نحن هنا! نحن نبدع، نحن نحلم، نحن نستحق أن نكون!"

 

ولكن العالم يُصم أذنيه،

ويُغاضب السماء بصمته.

 

سيأتي يوم وتسأل الأرض والسماء:

لماذا تركتموهم وحدهم يقاتلون صمتهم؟

لِمَ لم تنطقوا بكلمة حق واحدة لصالح قلب بريء؟

لِمَ لم تكسروا جدران العزلة بحرف واحد؟

 

إنها ليست قصة جائزة فقط.

إنها قصة إنسان يُحاصر حتى في أحلامه.

 

قصة لغة تُسجن في وطن لا يسعها.

قصة دموع تسقط على أقلام لا تستطيع كسر قيودها.

 

فابكوا،

لتدمع القلوب على هذه الفئة التي تُستنكر بصمت،

وتُهزم بغياب نصير.

 

فكل دمعة شاهدة على ظلمة لم نستطع نزعها،

وكل صمت فينا هو جُرمنا الجَمْعِيُّ الذي سنسأل عنه يومًا أمام الخالق:

أين كنت؟

وماذا فعلت لإنقاذ حروف تخنقها القيود،

وقلب ينزف من داخل جدران العدم؟

 

هذه هي الحقيقة المؤلمة..

حيث يبقى الجمال أسير الحدود،

ويبقى الصوت مُكبَّلًا في أقفاص الواقع.

 

فالكلمة، وإن سُجنت، لا تموت.

ستجد طريقها، ولو من بين الدموع،

ستتسلل يومًا عبر صدعٍ صغير في الجدار،

لتقول للعالم:

ما زلتُ هنا،

وما زال في الإنسان ما يستحق أن يُقال.

 

 

جهاد غريب

نوفمبر 2025

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حين تُسجن الحروف خلف الحدود

  حين تُسجن الحروف خلف الحدود   "صرخة المبدعين المنسيين في زمن صمت العالم"     باسم الحرية المغيبة، وباسم الحروف التي ...