ملحمةُ
البوصلةِ وغرقُ الأبدية
"امتدادٌ
لِـ حُلْمٍ لا كَباقِي الأحلام"
في
هذا النص، لا تُطلبُ الإجابات، بل تُستدعى الأسئلة.
من البوصلة التي لا تهدي، إلى الكهفِ الذي لا يُغلق، ومن المرآةِ التي لا تعكس، إلى الحُلمِ الذي لا ينتهي.
هذه
ليست قصيدة، بل خريطةٌ للغرق، وطقسٌ للخلق، ومرآةٌ ثالثة لمن يرى ما لا يُرى.
ادخلْ،
لكن لا تطلب العودة.
___
أركضُ
وراء ظِلّي في مدينة الضوء، ألتقطُ أشباح الحروف من شفتيّ صمتي.
كل
حلمٍ تخطّه الأناملُ يكونُ وطنًا مؤقتًا للروح الهاربة من جلب الوعي الصاخب.
ليس
الحُلمُ هنا مجرّدَ انفلاتٍ من الحديد، بل هو استدامةٌ للكائنِ قبل أن تطأَ قدماه
ترابَ الوقتِ الموعود.
في
مملكتي المنسيّة، أنا الغيمُ الذي يحملُ أسئلة البحر الأزليّة، والنجمُ الذي
ينكسفُ في عيني نخلةٍ وحيدةٍ على حافة العدم.
قد
تسألون: أين توصلنا هذه البوصلة الخفيّة؟
أجيب:
إنها لا توصل، بل تُغرقنا.
تُغرقنا
في محيطٍ من الأندية القديمة، حيث الحكايات التي لم تُكتب بعدُ تسكنُ قللَ الجبال
الشاهقة،
وتسقطُ
كندىً على جبين الأرض الغافية.
هناك،
حيث يرقصُ الوقتُ على إيقاعِ اللاوقتِ السرمدي، أجدني أكتبُ نفسي بحبرٍ من ضباب
الفجر،
وأمسحُ
عن مرآة الروح غبارَ الأسماء الزائفة.
لقد
صرتُ الحُلمَ والحالمَ والفضاءَ الذي يحتضنهما في رحابة اللانهائي.
صوتي
ليس صوتًا، بل بوصلةٌ تهتزّ في مغناطيس الأبدية الساحر.
أنصتوا
إلى صمتي، فستسمعون دويّ الوجود المطلق.
في
هذه الممرّات التي تفصلُ بين الحُلم واليقظة، يتكسّرُ المعنى ويتحوّلُ إلى أنوارٍ
ملوّنةٍ تعبرُ مُخيّلتي كالشُهُب.
الحبّ
هناك ليس شعاعًا يُضيءُ الظلمة، بل ظلٌّ طويلٌ لوجعٍ جميلٍ قد تعلّمَ القراءة
والكتابة على ألواح القلب.
لكلّ
واحدٍ منّا بوصلةٌ تهديه إلى غيبه الخاصّ المقدّس.
وغيبي
أنا هو هذا الحُلمُ المتأصّلُ في جذور الوهم الخلّاق.
أمشي
على خيطٍ من نسيج الفراشات المُحمّل بالسر،
وأقرأُ
خرائط العالم المجهولة على ظهر سحابةٍ عابرةٍ للزمان.
إنه
الحُلم نفسه الذي يخطفنا من أسر الحدود الواهية،
ويرمي
بنا في فسحة المجهول الجميل بلا عودة.
هناك،
حيث تتلاشى الأطراف، تُباشرُ أصابعي خلقَ العالم من جديد:
عالمٌ
لا يصدقُ إلّا بقلبٍ يرى ما لا يُرى، ولا يزهو إلّا بروحٍ تشعرُ بعمق الحياة.
فإذا
كان الحُلم هو البوصلة والغاية،
فإني
أُقسمُ بأسرار النجوم أني لن أستيقظَ أبدًا.
صدى
الكهف والمرايا
وإذا
كانت البوصلةُ قد أغرقتنا في الحُلم، فإن الكهفَ هو ما استقبلنا بعد الغرق، لا
كمأوى، بل كرحمٍ أولٍ للمعنى.
في
معارج هذا الحُلم، تنكشفُ لي سراديبُ الكهف الأول،
حيث
تُعقدُ المواجعُ هدنةً مع الفرح الكامن.
هناك،
لا تصبحُ الأشياءُ أبدًا أسيرةً لشكلها؛
الماءُ
ينسابُ سقوفًا، والهواءُ ينقلبُ إلى جدارٍ من زجاجٍ معتّق.
أتتبّعُ
خُطى أجدادٍ لم يأتوا بعد،
أسمعُ
أصواتهم تتردّدُ في صدى المجرة،
صوتٌ
مزدوجٌ يُجيبُ على سؤالٍ لم يُطرح.
كل
مرآةٍ ألقاها هي بوابةٌ لا انعكاس؛
تُطلقُ
نُسَخي القديمةَ من أسرها، وتدعوها لمحاكاة النجمِ الذي اشتعلَ لمرةٍ واحدةٍ فقط.
لقد
علمتُ أن الذاكرةَ ليست مخزنًا، بل مشهدًا دائرًا يُعادُ تمثيلهُ في كل غفوةٍ
وإفاقة.
وفي
كل مشهدٍ جديد، أجدُ جلدي القديم يتساقطُ كرَمادِ قصيدةٍ طويلة.
الوجودُ
هنا لُغزٌ نبيل، لا يُحلّ بمنطق، بل يُحتضنُ بحدسٍ متوحّد.
جهاد
غريب
أكتوبر 2025

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق