الثلاثاء، 10 يونيو 2025

عنقاء الحلمِ واليأسِ!

 
عنقاء الحلمِ واليأسِ! 

الحلمُ هو ذلك النَّفَسُ الخفيُّ الذي يُحرِّكُ شفتي الأملِ المُتعَبَتَين. إنه ليس مجردَ رغبةٍ عابرةٍ، بل هو الشرطُ الوجوديُّ لبقاءِ الروحِ حيَّةً في عالمٍ يَئِنُّ تحتَ وطأةِ المادّةِ واللامعنى. فبدونِ الحلمِ، يصيرُ الأملُ كطائرٍ بلا أجنحةٍ، يُحاوِلُ التحليقَ في سماءٍ من رصاصٍ، ثمَّ يسقطُ في صمتٍ. وعندئذٍ، لا يعودُ الموتُ خياراً صعباً، بل يصبحُ الخلاصَ الوحيدَ من سجنٍ بلا قضبانٍ.  

الحلمُ هو النَّفَسُ الأخيرُ للأملِ، ذلك الكائنُ الهشُّ الذي لا يعيشُ إلَّا على ضفافِ الخيالِ. إنْ غابَ الحلمُ، انسحبَ الأملُ كالسرابِ الذي يتبخَّرُ عندَ أولِ لمسةِ واقعٍ، وحينها لن نتردَّدَ في سلْكِ أنفسِنا نحوَ الموتِ، كخيطٍ أسودَ في نسيجِ الوجودِ. فالموتُ هنا ليس انطفاءً للجسدِ فحسب، بل هو انكسارُ الإرادةِ قبلَ أنْ يكونَ فناءَ الجسدِ، سقوطٌ في فراغٍ لا قاعَ له، حيثُ تصبحُ الحياةُ مجرَّدَ انتظارٍ بلا موعدٍ.  

عندما يغيبُ الحلمُ، يبدأ العالمُ في التهاوي كعقابٍ إلهيٍّ. فما قيمةُ السُّلَّمِ إنْ لم نعدْ نرى الأعالي؟ وما معنى الدروبِ إنْ تساوتْ مع الغاياتِ؟ تصيرُ الخطواتُ كلُّها متشابهةً، والوجهاتُ أطيافاً بلا ألوانٍ. حتى الثوابُ يفقدُ معناهُ، فمنْ سيكافئُ روحاً لم تعدْ تؤمنُ بالمكافأةِ؟ يصبحُ الخيرُ والشرُّ وجهينِ لظلٍّ واحدٍ بلا ضوءٍ، ويذوبُ الفعلُ في اللافعلِ كذوبانِ الملحِ في ماءٍ آسنٍ.  

الحلمُ هو آخرُ حدودِ المقاومةِ. هو ذلك الوميضُ الذي يمنعُ الليلَ من أن يكونَ أبديّاً. لكنَّ اليأسَ، حين يستقرُّ في العظامِ، يحوِّلُ الحياةَ إلى غرفةٍ بلا نوافذَ، نعيشُ فيها على هامشِ الزمنِ، نراقبُ ذواتِنا تتحلَّلُ ككائناتٍ بلا أساطيرَ. نكونُ أمواتاً بقلوبٍ تنبضُ، نجرجرُ أحشاءَنا كأشباحٍ بلا مأوى.  
 
فليحذرِ الذينَ يتركونَ أحلامَهم على أعتابِ الماضي، فالحياةُ لا تحتضنُ من لا يحملُ بينَ ضلوعِه بذرةً من جنونِ الطموحِ. ستلفظُهم كما تلفظُ الأمواجُ جثثَ الغرقى، وسيجدونَ أنفسَهم في طابورِ الموتِ الطويلِ، ينتظرونَ دورَهم في العدمِ، بينما يمرُّونَ كظلالٍ على حائطِ الزمنِ.  

الحلمُ إذنْ ليس رفاهيةً، بل ضرورةٌ كالهواءِ والماءِ. هو الجسرُ الوحيدُ بينَ الإنسانِ ومعنى الحياةِ. فإذا انقطعَ الجسرُ، بقيَ العبثُ. وإذا سادَ العبثُ، صرنا أرقاماً في معادلةٍ بلا حلٍّ. فلتُبقوا على أحلامِكم حيةً، ولو كانت جراحاً تنزفُ نوراً، فما دامَ هناكَ حلمٌ، فهناكَ أملٌ.. وما دامَ هناكَ أملٌ، فستظلُّ الحياةُ تستحقُّ أن تُعاشَ، ولو على حافةِ الهاويةِ. 

 جهاد غريب 
يونيو 2025

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سُنة الوجود!

  سُنة الوجود!  في العمق حيث يتنفس الصدق ويتراقص المعنى على حافة الصمت، هناك يكمن السر. ليس سرًا يُكتشف، بل حقيقةً تُعاش، تُلمس بأطراف الروح...