الأحد، 16 مارس 2025

 

 

هل كنت كافياً؟ سؤال يطارد الرجل والمرأة في لحظة الرحيل!

 

في زوايا الحياة حيث تتشابك المصائر، يعمل الرجل في شركته كما تعيش المرأة في بيتها، كلاهما يبذل ما يستطيع ليكون جزءاً لا غنى عنه في منظومته، لكن الهاجس الخفي يطاردهما: ماذا لو لم أعد مرغوباً؟ ماذا لو حلّ بي الاستغناء كما تحل الرياح القاسية على الأشجار اليابسة، فتقتلعها دون أن تلتفت؟

 

الرجل يستيقظ كل صباح متجهاً إلى عمله، يضع قلبه في تفاصيل يومه، يحاول أن يكون منتجاً، يرفع سقف ولائه، لكنه يعلم أن قرارات الشركات لا تنحاز للمشاعر، وأن بقاؤه ليس وعداً مقدساً، قد يتراجع السوق، وقد يصبح عبئاً غير مقصود، وقد تلتف الوشايات حوله كالأفاعي، فيجد نفسه يوماً على رصيف القرار الحاسم: "شكراً لخدماتك، لم تعد جزءاً من منظومتنا". يخرج من المبنى محاولاً ألا ينظر إلى الخلف، لكنه يحمل على كتفيه سؤالاً ثقيلاً: ألم أكن كافياً؟ ألم أستحق فرصة أخرى؟ كيف تحوّلت من فرد في المنظومة إلى مجرد رقم قابل للإلغاء؟ كيف يمكن لمنحنى الإنتاجية أن يختزل كل هذه السنوات في قرار بارد لا يحمل حتى مبرراً شخصياً؟

 

وفي الجهة الأخرى، تسكن المرأة بيتها كما لو أنه العالم بأسره!، تضع لمساتها على الجدران، وتزرع في الأركان رائحة وجودها، وتعتني بالرجل كما تعتني بكيانها، لكنها تدرك أن العلاقات، كالشركات، تمر بأزمات، وتتغير احتياجاتها، وتتبدل ولاءاتها!، ماذا لو جاء يوم وقال لها الزوج بصوت محايد: "لم تعودي مناسبة لي"؟ ماذا لو رأت نفسها كموظفة سابقة في حياته، ماضية إلى عالم بلا انتماء؟ هل كانت تظن أن الولاء المطلق كان كافياً؟ هل اعتقدت أن تفاصيل الأيام وحدها تحميها من شبح الاستغناء؟ وهل فكرت يوماً أنها قد تكون وقّعت، دون أن تدري، على استقالة غير معلنة من قلبه حين توقفت عن أن تكون حاضراً يشعر به؟

 

إن الخوف الذي يعانيه الرجل من قرار الاستغناء في عمله، هو ذاته الذي يسكن المرأة في بيتها الزوجي، كلاهما يخشى أن يصبح فائضاً عن الحاجة، وأن يتحول إلى ذكرى في ذاكرة مؤسسة لم تعد تحتاج إليه، ولكن، كم مرة تساءل الرجل وهو يوقع على استقالته الإجبارية، إن كان يوماً قد فعل الشيء ذاته بيد باردة مع امرأة كانت له بيتاً؟ وكم مرة فكرت المرأة، وهي ترى العلاقة تنحدر نحو الفتور، إن كانت قد تركت المساحة تتآكل بصمت حتى صار الاستغناء حتمياً؟

 

المفارقة أن كليهما في لحظة الاستغناء يتساءل: هل كنت كافياً؟ هل كنت جديراً بالبقاء؟ الرجل الذي يرى اسمه يُمحى من قائمة الموظفين، والمرأة التي ترى قلب زوجها ينغلق عنها، كلاهما يشعر بأنه كان يحاول، ومع ذلك، لم يكن ذلك كافياً!، لكن هل سأل أحدهما نفسه قبل الوصول إلى هذه اللحظة الحاسمة: هل كنت حاضراً حقاً؟ هل كنت أُضيف شيئاً يستحق البقاء؟ أم كنت أعيش فقط على هامش الأمان، معتقداً أن الاعتياد حصانة ضد الاستغناء؟

 

هذه المخاوف، لو لم تبقَ في الظل، لربما كانت جسراً للفهم بدلاً من هاوية للفقد!، لو تذكّر الرجل في لحظة قراره أن يرحم كما كان يتمنى أن يُرحم، وأن يعطي فرصة كما كان يرجو فرصة، ولو وعَت المرأة أن الانفصال ليس دائماً ظُلماً، بل قد يكون صدى لغياب لم تنتبه له، لربما تغيّر شكل الرحيل، أو حتى لم يحدث أبداً.

 

في النهاية، لا أحد يحب أن يكون القصة التي تُطوى، ولا الاسم الذي يقال عنه: "كان هنا." لكن الحياة لا تتوقف على العاطفة وحدها، إنها تحتاج إلى فهم عميق لهذه الحقيقة: لا أحد يستحق أن يكون مجرد خيار مؤقت، لا في شركة، ولا في قلب!، المحظوظون فقط هم من يدركون هذه الحقيقة قبل أن يتحولوا إلى ذكرى في أرشيف الاستغناء.

 

جهاد غريب

مارس 2025

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الضوء الخفي: رحلة الإنسان بين الألم والحكمة!

  الضوء الخفي: رحلة الإنسان بين الألم والحكمة! في زحمة الحياة، نخطئ تفسير الإشارات؛ نظن الأبواب المفتوحة أقفاصًا مغلقة، ونحسب الظلال عدوًا، ...