الأحد، 12 يناير 2025

 

حكمة التخلي: عندما يصبح الفقدان بداية للفوز!

 

في لحظات الصمت التي تسبق العاصفة، ندرك أحياناً أن التخلي عن بعض الأشياء هو الفوز الحقيقي، كأنما نُجري مع الحياة صفقة خاسرة! لنكتشف أنها أهدتنا حكمة لا تُقدر بثمن، إن التخلي ليس هزيمة، ولا انسحاباً من ميدان المعركة، بل هو في كثير من الأحيان الخطوة الأولى نحو السلام الداخلي.

يقول الفيلسوف أرسطو: "السعادة تعتمد على أنفسنا"، وقد تكمن السعادة في التخلي عن عبء الأحلام التي لم تعد تشبهنا.

 

أن نتخلى عن حلم قديم ليس إلا اعترافاً شجاعاً بأننا تغيرنا، وأنَّ ما كنا نرغب فيه يوماً لم يعد يناسب أرواحنا التي نمت وتطورت، لا يعني التخلي خيانة لتطلعاتنا، بل هو تصالح مع ذواتنا، والفوز لا يُقاس دائماً بالمكاسب الظاهرة، لكنه يظهر جلياً في النور الذي يفيض في داخلنا عندما نحرر أرواحنا من قيود لا فائدة منها.

قال الشاعر جلال الدين الرومي: "لا تكن بلا حب، كي لا تشعر بأنك ميت، مت في الحب وابق حياً إلى الأبد"، فالحب هنا يشمل حب الذات، وحب الحكمة، وحب السلام.

 

الهدر، تلك الكلمة التي تُثقل الروح، يحدث عندما ننفق أعمارنا في مطاردة ما لا يُثمر، فنركض خلف سرابٍ يُرهقنا دون أن يمنحنا شربة ماء، إن الهدر ليس فقط في الجهد، بل في المشاعر والأوقات التي كان من الممكن أن تكون أجنحة تُحلق بنا نحو آفاق أرحب.

عندما ندرك أن الفوز الحقيقي يبدأ باختيارنا الواعي، نصبح أشبه بقبطان سفينة يُبحر بعزيمة نحو وجهة محددة، بعيداً عن أمواج التيه.

 

آه، القلب يخفق بعنف عند مواجهة لحظة الحقيقة، تلك اللحظة التي نُدرك فيها حجم الخسائر التي تحملتها أرواحنا نتيجة سوء الاختيار!، إن الخسارة مؤلمة، كأنها جرح عميق يترك ندوباً لا تُمحى، ومع ذلك، في كل ندبة درس، وفي كل خسارة ضوء يقودنا إلى اختيارات أنقى.

يقول الكاتب الأمريكي مارك توين: "أكثر اللحظات أهمية في حياتنا هي يوم ولادتنا، واليوم الذي نكتشف فيه لماذا وُلدنا". تلك الخسائر تدفعنا نحو اكتشاف الغايات الحقيقية التي تستحق منا النضال.

 

التخلي ليس دائماً قراراً سهلاً! إنه يتطلب شجاعة تعادل شجاعة البقاء في المعركة!، لكنه يحمل في طياته حريةً لا تضاهيها حرية، كطائر يُطلق جناحيه بعد أن كان أسير قفص، ففي التخلي حكمة، وفي الحكمة نور، وفي النور بداية جديدة تُشبه شروق الشمس بعد ليلة طويلة مظلمة.

قال الأديب اللبناني جبران خليل جبران: "ليس التقدم هو السقوط في هاوية الأشياء التي لا تُدرك، بل هو التوجه نحو الأشياء التي لا تُنسى".

 

لذلك، عندما نُقرر أن نترك ما لا يفيد، فإننا بذلك نصنع مساحة لما يستحق أن يبقى!، نحن لا نخسر شيئاً بالتخلي عن الأعباء، بل نكسب مساحة أكبر! لنحيا حياة تحمل معاني أعمق.

الحياة قصيرة، أقصر من أن نضيعها في مطاردة ما لا يُجدي، وكما تُردد الروح في لحظات الصفاء: "البساطة تُلهم التعقيد، والعمق يولد من الاختزال".

 

الفوز الحقيقي ليس لحظة نصر واحدة، بل رحلة مستمرة نحو الذات، فالتخلي عما يُثقل كاهلنا هو جزء من تلك الرحلة، خطوة تتطلب شجاعة ووعياً وإيماناً بأن ما ينتظرنا دائماً أفضل مما تركناه.

في النهاية، نحن نُشبه جذور الشجر، كلما تحررت من التربة الصلبة، امتدت نحو أعماق أكثر ثراءً، وأثمرت حياة جديدة مليئة بالمعنى.

 

جهاد غريب

يناير 2025

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فارسُ الخلود: دماءٌ على صهيلِ العودة!

  فارسُ الخلود: دماءٌ على صهيلِ العودة!  الليلُ ثقيلٌ كحِملٍ من رُفاتِ نُجومٍ،  والريحُ تَعوي في صدرِ الفراغِ، كنائحةٍ  على زمنٍ طواهُ الرحي...