بين النصيحة
والتحايل: تعامل بذكاء مع الأخبار السيئة!
حين يُساق إلى مسامعك خبر سيئ عنك ممن
يزعم الحرص على مصلحتك، يقفز إلى ذهنك سؤال جوهري: هل هو ناصح أم لديه غاية خفية؟
هذا التساؤل يستحق التريث قبل إصدار الأحكام، فالفرق بين الناصح الأمين والمستغل
الماكر يكمن في النية والطريقة التي ينقل بها الخبر.
الناصح الصادق ينقل الخبر بنبرة
هادئة، يزينها حرصٌ واضح على مصلحتك، وقد يرفق نصيحته بخطوات للتعامل مع الموقف،
أما من يقتات على إثارة القلق، فهو غالباً يعمد إلى تضخيم الأمور، ويسعى لإثارة
ردود فعلك!، بدلاً من تقديم حل.
لا تجعل مثل هذا الخبر يسيطر عليك فوراً!،
وفي مواجهة هذا المشهد، استمع بتمعن، دع الكلمات تنساب دون أن تُظهر رد فعلك، وكن مستمعاً
صامتاً، ولا تسارع بالكشف عن ردود فعلك، بل اسأله بهدوء: "ما السبيل الأمثل للتعامل
مع ما ذكرت؟"، هنا تظهر الحقائق!، فإن كان ناصحاً، سيقترح حلولاً ويُعينك على
تجاوز الأمر، وإن كان غير ذلك، ستفضحه كلماته المتعثرة، وسينكشف مقصده.
عندما تصلك الأخبار السيئة، لا تظهر
استسلامك لها مباشرة!، تمهل، أنصت بهدوء، ولكن لا تكشف كامل مشاعرك، واسأله أيضاً بهدوء:
"ما رأيك في الطريقة المثلى للتعامل مع من قام بهذا الفعل؟"،
هذا السؤال البسيط قد يفضح نيته، فالنصيح الحقيقي سيقدم لك خطوات بناءة، بينما
الآخر قد يبدأ في الالتفاف أو الارتباك.
إذا كنت ترغب في التعامل مع من نقل
عنه الأخبار، فلا تجعل المواجهة حادة، لأن مواجهته تتطلب وعياً وهدوءاً، ولا تجعل
الغضب دليل خطواتك، بل اختر كلماتك بعناية، واضبط انفعالاتك كأنك تسير على حبل
رفيع.
يقول الشاعر جلال الدين الرومي:
"إن كنت هادئاً، فسترى الكون كله ينكشف أمامك". لا تسارع إلى المواجهة أو
الصدام، بل كن مثل البحر، تستوعب كل ما يُلقى فيه، لكنك تحتفظ بصفائك في الأعماق، وإذا
حانت لحظة مواجهة من نُقلت عنه الأخبار، فلا تجعل الغضب يقود خطواتك، تحدث بحكمة، واجعل
كلماتك ميزاناً يزن الأمور بعقلانية لا بعاطفة.
قال سقراط: "العقول العظيمة
تناقش الأفكار، أما العقول الصغيرة فتناقش الأشخاص". ركز على جوهر الموقف لا
على شخصيته، واجعل هدفك تهدئة الأمور لا تأجيجها.
أما ناقل الأخبار، فيجب أن يعلم أن للكلمات
قوة لا يُستهان بها، فهي إما أن تكون أداة بناء أو معول هدم، وذكّره بأن الإسراف في
نقل ما يسيء للآخرين قد يحوله من مراقب إلى طرف في المشكلة.
قال الأديب طاغور: "الكلمة لا تخرج
بلا ثمن، فإما أن تبني بها جسراً أو تُشعل بها ناراً".
وأنت، اجعل كلماتك دائماً مفعمة بالوعي
والهدوء، وحافظ على صمتك حين يكون أقوى من الرد، وتذكر أن الصمت أحياناً هو الرسالة
الأكثر وضوحاً، ولا تنسَ أن تختار طريقك بعناية، لأنك حين تتعامل بحكمة مع الكلمات،
ترسم صورة القوة والاتزان أمام الجميع.
خذ وقتك في التفكير واختيار كلماتك،
وركز على تهدئة الموقف بدلاً من تأجيجه، ولكن على ناقل الخبر أيضاً أن يدرك أن لكل
كلمة وزناً، وأن الإسراف في نقل ما يسيء للآخرين قد يجعله طرفاً حقيقياً في
المشكلة بدلاً من أن يكون ناصحاً أميناً.
كلما كانت كلماتك مفعمة بالصدق
والوعي، استطعت إيصال رسالتك دون صدام، فاختر مسارك بعناية، وحافظ على هدوئك،
فالصمت أحياناً أقوى من الرد.
جهاد غريب
يناير 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق