الاثنين، 30 ديسمبر 2024

 

لا تدع خيبات الأمل تسرق سعادة مستقبلك!

 

الصدمات النفسية غالباً ما تكون ككسرٍ في مرآة الروح، حيث لا تعود الصورة كما كانت!، وتناثر الشظايا يترك في النفس جروحاً غائرة!، وهذه الصدمات ليست مؤلمة فقط!، بسبب غياب الاستجابة التي نرجوها، بل لأنها تكشف ببطء! زيف التوقعات التي كنا نعتقد أنها صلبة كجدران قلعة شامخة، واللحظة التي نواجه فيها هذا التغير غير المتوقع تكون كعاصفة تهب فجأة، وتُحطم ما ظنناه ثابتاً، تاركةً وراءها فراغاً غامضاً يشبه ظلالاً باهتة على جدار متهدم.

 

توقعاتنا تلعب دور المهندس الذي يبني تلك القلعة، فهي التي تحدد مدى متانتها!، فعندما نتوقع أن يُظهر شخصٌ ما دعماً أو تعاوناً معنا، ونُفاجَأ برفضه، أو بتصرف غير متوقع، نشعر بصدمة مشابهة لتلك التي تحدث في العلاقات العاطفية، وهذا لأن التوقعات لعبت دوراً كبيراً في تحديد استجابتنا النفسية، وعندما نعتقد أن الآخر سيتصرف وفقاً لما ننتظره، أو يشاركنا نفس القيم، ونتفاجأ بعكس ذلك، تصبح الصدمة أشبه بانهيار تلك القلعة أمام أعيننا، فالصورة المثالية التي رسمناها بفرشاة الأمل تبدأ بالتلاشي، ونجد أنفسنا أمام فراغ مؤلم، يحمل ألوان الوحدة، والخوف، والحزن، وكأنها لوحة تجريدية تفقد تناغمها.

 

هذه الصدمات ليست حكراً على العلاقات العاطفية فقط، بل تمتد إلى جميع أنواع العلاقات، ففي الصداقة، قد يكون الأثر أشبه بجفاف نهر كان يروي أراضينا النفسية، وفي العلاقات العائلية تبدو كذبول زهرة في حديقة كنا نظنها خالدة، وحتى في العمل، عندما تخوننا التوقعات التي بنيناها على أساس من الثقة، نشعر وكأن دعامة أساسية في حياتنا قد انهارت.

 

لكن الحياة، بحكمتها العميقة، تعلمنا أن الثابت الوحيد هو التغيير، فالثقة بالآخرين تشبه زهرة تتفتح تحت أشعة الشمس الدافئة، لكنها تحتاج إلى العناية المستمرة، وعندما نكتشف أن الزهرة التي حلمنا بإزهارها قد ذبلت!، نشعر بأن جزءاً من عالمنا قد تلاشى، ورغم ذلك، هذه التجارب تحمل في طياتها درساً عميقاً: أن نقدر جمال الزهرة لحظة إزهارها، بدلاً من التركيز على زوالها.

 

الألم النفسي يعيد تشكيل رؤيتنا للحياة والعلاقات، فقد نجد أنفسنا أكثر حذراً، نرتدي دروعاً نفسية خشية تكرار التجربة، وقد نصبح أكثر تشككاً، ونزن كل كلمة وكل موقف بميزان الشك، لكن في الوقت نفسه، الألم يمنحنا فرصة للنمو!، مثلما تُصقل المعادن تحت الضغط، نحن أيضاً نتعلم كيف نصبح أقوى وأكثر وعياً بذواتنا.

 

التعلق بالآخرين هو سيف ذو حدين، يمنحنا الفرح والدفء، لكنه أيضاً يتركنا عرضة للألم عندما تتغير الظروف، وهذا التعلق يجعلنا ندرك أن السعادة الحقيقية لا تعتمد على وجود شخص آخر، بل على قدرتنا على تقبل الحياة بجميع تناقضاتها، فالتعلق الزائد يجعلنا ننسى أن الآخر هو إنسان مثلنا، له نقاط ضعفه، وأوقاته الصعبة.

 

الحكمة تكمن في تقبل التغيير كجزء من الحياة، وبتقبل ضعف الآخر، وفهم أن العلاقات ليست مثالية دائماً، يمكننا أن نقلل من تأثير الصدمات، بدلاً من الانغماس في خيبات الأمل، ويمكننا أن نحتفظ بذكريات اللحظات الجميلة.

 

إن التفكير بعقلانية، وإعادة صياغة توقعاتنا، هو السبيل للحفاظ على توازننا النفسي، فالحياة رحلة مليئة بالتحديات، لكنها تحمل في طياتها أيضاً فرصاً للنمو، كما أن الصدمات تعلمنا أن نعطي الأولوية لما هو ثابت داخلنا، بدلاً من أن نربط سعادتنا بما هو متغير، وبهذا الوعي، نستطيع أن نحول كل خيبة أمل إلى بداية جديدة، مليئة بالأمل والحكمة.

 

جهاد غريب

ديسمبر 2024

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حين يضيء الأفق بعد العتمة

  حين يضيء الأفق بعد العتمة رسالة في الصبر والفرج   في زحام الأيام الثقيلة، حيثُ تتكدّس الهموم في الصدر كما تتكدّس الغيوم فوق سماءٍ ضا...