الثلاثاء، 7 يناير 2025

 

جبر الخواطر: فن التوازن بين الروح والإنسانية!

 

جبر الخواطر مساحة شاسعة ووسيلة عظيمة، لغسل الذنوب، وتنقية النفس، وكسب رضا الله، بل لا يوجد ما يضاهيها في تأثيرها الإيجابي على الروح والقلب.

ببساطة! جبر الخواطر هو (فلتر أصلي) ينقّي أعماق الإنسان، ويعيد ترتيب أولوياته بنظرة أكثر شفافية وصدقاً.

 

حين نتأمل في معنى جبر الخواطر، نجد أنها ليست مجرد فعلٍ طيبٍ نمارسه، بل هي فلسفة حياة ترتكز على الرحمة والتعاطف!، تلك اللحظات التي تمدّ فيها يد العون لشخص يائس، أو تهمس بكلمات تشفي قلباً مجروحاً، هي أشبه ببذور نثرناها على أرض الحياة.

 

يقول الإمام الشافعي: "ما جبرتُ كسر أحد إلا وجدتُ أثره في قلبي". إن كلمات كهذه تلهمنا أن نرى الجبر كطريق ذو اتجاهين! فأنت حين تجبر خواطر الآخرين، تجد خواطرك أنت أيضاً مجبورة، وإن لم تلحظ ذلك مباشرة.

 

من أعظم صور جبر الخواطر ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "تبسمك في وجه أخيك صدقة". هي ابتسامة بسيطة، لا تكلف شيئاً، لكنها قد تُضيء عوالم من الحزن وتبدلها إلى أمل!، أليس هذا هو جوهر الإنسانية؟ أن نحمل في قلوبنا همَّ الآخر، أن ننظر إلى وجعه كأنه وجعنا، ونحاول بصدق أن نكون البلسم الذي يخفف الألم.

 

في كل يوم، نمرّ بلحظات صامتة نستطيع فيها أن نختار: أن نكون مصدر طمأنينة، أو نترك من حولنا يعانون وحدهم، تلك اللحظات هي ما يجعلنا بشراً، وما يربطنا بأعمق معاني الروح.

أذكر مقولة لغاندي حين قال: "أعظم اختبار للإنسانية هو مدى قدرتنا على التخفيف عن الآخرين". وهذه القدرة ليست مجرد واجب، بل هي انعكاس لنضوج الروح وصفائها.

 

إن جبر الخواطر هو تطهير للنفس من الأنانية! في عالم يعج بالسرعة والمنافسة، يُعتبر الوقوف بجانب شخصٍ في وقت ضيقٍ نوعاً من البطولة الخفية، ليس هناك أسمى من أن تجعل من نفسك سلاحاً يحارب اليأس، وقارباً يعبر بالآخرين إلى شاطئ السلام.

 

يقول الشاعر إيليا أبو ماضي: "كن بلسماً إن صار دهرك أرقما، وحلاوةً إن صار غيرك علقما"، وكأنما الكلمات تناديك لتكون النور في عتمة حياة أحدهم.

 

إن كان جبر الخواطر يريح القلب، فإنه أيضاً يغسل الذنوب. في الحديث القدسي: "إن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". تأمل هذا العمق! كيف أن فعلاً بسيطاً كأن تقول لشخص: "أنا هنا من أجلك"، قد يكون سبيلاً لغفران ذنوبك وتطهير قلبك من كل ما يعكّر صفوه.

 

حين نمنح الآخرين أجنحة، ليحلقوا بها فوق همومهم، فإننا نمنح أنفسنا أجنحة أيضاً!، فجبر الخواطر لا يعني فقط أن نساعد الآخرين، بل أن نرى العالم بعيون متجددة، وأن نحيا حياة تحمل في طياتها رسالة عميقة، فالحياة ليست فقط أن نعيشها، بل أن نعيشها بشكل يجعل الآخرين ممتنين لوجودنا.

 

فليكن شعارنا في الحياة: "كن جابراً لا كاسراً"، ولنتذكر أن في جبر الخواطر سراً عظيماً يجعلنا أقرب إلى الله، وإلى أنفسنا، وإلى إنسانيتنا التي قد تبهت أحياناً تحت وطأة مشاغل الحياة.

دعنا نكن فلتراً أصلياً، نصفي به القلوب، وننقي به الأرواح، ونترك أثراً يبقى طويلاً بعد أن نغادر هذا العالم.

 

جهاد غريب

يناير 2025

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

على مرمى شُعلة: ملحمة العابر بين العواصف!

  على مرمى شُعلة: ملحمة العابر بين العواصف!  لا تُنبت الحياة أزهارها إلا في تربة مختبرة، كأنها تقول لك: "إن كنت موجودًا، فلتثبت ذلك...