الحظ بين الوهم
والواقع: هل نصنعه أم يصنعنا؟
أيها السادة
والسيدات، حين يُذكر الحظ، تنطلق الأفكار بين من يراه سراً غامضاً يرافق الناجحين،
ومن يراه وهماً يختبئ خلفه العاجزون، أما أنا، فلا أؤمن بالحظ كحقيقة ثابتة، أو قناعة
أسلم بها، بل أراه أشبه بزائر خفيف الظل، يطل علينا من باب الترفيه أحياناً، لكنه لا
يقود خطانا، ولا يصوغ مصائرنا.
من المهم
أن نتساءل: هل الحظ جزء من القدر، أم أنه شيء مختلف تماماً؟ في الثقافات المختلفة،
نجد أن الحظ يُنظر إليه بطرق متنوعة، فبعض الفلسفات ترى أن الحظ والقدر متشابكان، كما
في الميثولوجيا اليونانية حيث كانت الآلهة تتحكم في المصائر، أما في الفكر الإسلامي
والمسيحي، فإن القدر يُعتبر مكتوباً، ومحدداً من قِبل الخالق، بينما الحظ يُنظر إليه
كاختبار للإيمان، أو مكافأة على الأعمال الصالحة.
تحدث الفلاسفة
اليونانيون مثل أرسطو عن الحظ باعتباره جزءاً من المصير الذي لا يمكن الهروب منه، في
حين أن الفلاسفة الوجوديين، كجان بول سارتر ركزوا على الإرادة الحرة، معتبرين أن الإنسان
هو صانع قدره بغض النظر عن أي حظ قد يصادفه، وهذه الرؤى تفتح النقاش حول مدى تأثير
الظروف العشوائية مقارنة بالجهد الشخصي.
قد يربط
البعض بين الحظ والتفاؤل، إذ يُقال إن النظرة الإيجابية تجذب الفرص الجيدة، وفي المقابل،
فإن التشاؤم قد يحجب الرؤية عن الفرص المتاحة!، إن التفاؤل، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً
بالاعتقاد بالحظ، هو وقود الإيجابية والمحرك الأساسي للإنجاز، وربما يكون الحظ مجرد
صدفة سعيدة، ولكن علينا أن نكون مستعدين للاستفادة منها عندما تأتي.
الاعتقاد
بالحظ يمكن أن يكون سلاحاً ذا حدين!، فمن جهة، قد يدفعنا الإيمان بالحظ إلى بذل المزيد
من الجهد لنكون مستعدين عندما تطرق الفرصة أبوابنا، ومن جهة أخرى، قد يؤدي الاعتماد
على الحظ إلى التراخي، وانتظار ما قد لا يأتي أبداً.
في حياتنا
اليومية، قد نصادف مواقف تؤكد لنا وجود الحظ، كفرصة عمل جاءت بمحض الصدفة، أو لقاء
غير متوقع أدى إلى نجاح كبير، وفي المقابل، قد يتجلى الحظ في صورة سلبية، كحادث عابر
يعيد ترتيب حياتنا بشكل لم نتوقعه، وهذه الأمثلة تؤكد أن الحظ ليس دائماً إيجابياً،
أو سلبياً، لكنه دائماً مؤثر.
الصدفة
قد تكون مفتاحاً لأبواب غير متوقعة، فكم من عباقرة التاريخ وجدوا طريقهم إلى النجاح
بسبب لحظات عشوائية؟ قد تكون الصدفة فرصة، لكنها تحتاج إلى عقل مستعد، وقلب مؤمن بالعمل،
لتحقيق نتائجها.
هناك من
يعتقد أن الحظ يلعب دوراً في الإبداع والنجاح، لكن هل يمكن للحظ وحده أن يخلق عبقرياً؟
بالطبع لا. الحظ قد يكون محفزاً، لكنه لا يعوض عن الموهبة والعمل الجاد، في الواقع،
النجاح يأتي عندما يلتقي الإبداع مع الجهد في اللحظة المناسبة.
في النهاية،
أدعوكم إلى تبني نظرة تفاؤلية للحياة، لنعتبر الحظ شريكاً للجهد، وليس بديلاً له، فلنعمل
بجد لتحقيق أهدافنا، ولنتذكر دائماً أن السعي هو الحظ الحقيقي، وأن النجاح يأتي لمن
يستحقه.
لعل الحظ،
إن وجد، يكون من نصيب من يستحق، لكن لنتذكر دائماً أن الحظ لا يقف وحيداً، فهو يحتاج
إلى أيدٍ تعمل وقلوبٍ تؤمن بأن السعي هو الحظ الحقيقي.
جهاد غريب
ديسمبر 2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق